وقد كان الشياطين يفعلون ذلك قبل نزول القرآن ، فيقع لهم شىء من بعض أخبار السماء ، فيحدّثون به أولياءهم ، حديثا مختلطا ، يجمع بين الصدق والكذب ، والحق ، والباطل ، وفي هذا يقول الله تعالى على لسان الجنّ ، (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٩ : الجن).
وقوله تعالى : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) جملة حالية من الضمير فى «يلقون» أي أن أكثر هؤلاء الشياطين الذين يتسمعون إلى أخبار السماء ، كاذبون فيما يلقون إلى أوليائهم من الناس من أخبار ، فالمستمع إليهم ، والمتلقى عنهم ضالّ ، ومضلّ لغيره ، إذ يقع في يقينه أن ما سمعه هو الصدق كلّه ، فيأخذ به جميعه ، فتسوء العاقبة ، وينكشف الحال عما يجلب الحسرة والندم ..
والسؤال هنا : إذا كان أكثر الذين يتسمعون إلى أخبار السماء كاذبين ، فهل هناك قلّة منهم لا تتصف بهذه الصفة؟
والجواب : نعم ، فإنّ من الجن ، مؤمنين صادقى الإيمان ، يتحرّون الصّدق ، ويلزمون أنفسهم به ، شأنهم في هذا شأن المؤمنين الصادقين من الناس ..
قوله تعالى :
(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ).
هو تأكيد لبعد النبيّ صلوات الله وسلامه عليه ، عن أن يكون على أية صلة قريبة أو بعيدة من الشياطين ، وما يتنزلون به على أوليائهم ـ إنهم لا يتنزلون إلا على كل أفّاك أثيم .. وقد عرفت قريش فى «محمد» ما لم تعرفه في إنسان