طباعهم إلى أن يكونوا في موكبهم ، ومن بطانتهم ، أو شيعتهم .. وفي هذا دليل مادى آخر ، على أن محمدا ليس بشاعر ، وأن ما يحدّث به ليس من قبيل الشعر ، وإلا لكان أتباعه من الشعراء .. لسانا ، وطبيعة .. فالشعراء إنما ينضوى إليهم من كان على شاكلتهم ، من أهل الغواية ، والبطالة ..
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) .. هو بيان للصفة الغالبة على الشعراء ، وأنهم لا يلتزمون الواقع ، ولا يتحرّون الصدق ، وذلك لما في طبيعة الشاعر من توفّز الشعور ، وجموح الخيال ، وتقلّب العاطفة .. فيخرج به ذلك كله عن أن يرى الأمور على حقيقتها ، بل يلونها بخياله ، ويصفيها بمشاعره ، ويتعامل معها كما تقع في وجدانه .. ومن هنا جاء القول المشهور : «أعذب الشعر أكذبه» .. كاشفا عن الصفة الغالبة على الشعر ، وهو الخيال لذى يلوّن الحقيقة ، ويضع عليها من الأصباغ ما يغير وجهها ، فيبدو القبيح جميلا ، والجميل قبيحا ، كما تفعل الأصباغ والألوان التي تلوّن بها وجوه الممثلين ، والثياب التي يلبسونها ، والشّعر المستعار لرءوسهم ، ولحياهم ـ كما يفعل ذلك كله في إخفاء شخصية الممثل ، وإظهاره في الصورة التي يقتضيها الدور الذي يقوم به على مسرح التمثيل ..
قوله تعالى :
(وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) .. هو بيان لحال من تلك الأحوال التي تلبس الشعراء التي أشارت التي إليها الآية السابقة :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) .. إذا أن من مقتضى هيامهم في كل واد ، أنهم لا يستقرون على حال ، ولا يثبتون على رأى ، ولا يتقيدون بأى قيد ..