هو تخليص هذا الفن الجميل ، مما دخل عليه من تلك الألوان الصارخة من الفحش ، والهذر واللغو ، حتى تصفو موارده ، ويكون للكلمة الصادقة فيه ، وزنها وقدرها ، فى تربية النفوس ، وتقويم الأخلاق ، إذ كان للثوب الذي تلبسه الكلمة فى القالب الشعرى ، تأثير عظيم في كشف مضمونها ، وتجسيد محتواها ، حتى لتكاد تتمثل كائنا حيا ، يعيش في وجدان السامع ، ويتحرك في كيانه .. ومن هنا كان موقف الإسلام من الشعر ، قائما على تقديره له ، ووزن خطره وأثره في النفوس ، وسلطانه على العقول والقلوب .. فإذا لم يقم على هذا الفن حارس من خلق أو دين ، كان قوة من قوى الشر المدمرة ، التي تأنى على كل صالحة في المجتمع ، الذي تتحرك فيه شياطين هذا الفن!
وهناك كلمة مضلّلة ، وبما أغرت كثيرا من الشعراء ـ أعنى صغار الرجال من الشعراء ـ أن يأخذوا بها ، وأن يتلقوا الدرس الأول عنها ، تلك الكلمة ، هى قولهم : «أعذب الشعر أكذبه» يعنون بهذا أن أجمل الشعر وأرقه ، ما اصطاد بشباك الخيال ، الغرائب والعجائب ، وموّه الحق والواقع ، بألوان وأصباغ ، تغير صورته ، وتطمس معالمه ، فيرى على غير ما هو .. ومن هنا كان التعامل بالصور التي يرسمها مثل هذا الشعر ، مزلقة إلى الضلال ، والانحراف عن قصد السبيل!
والحق ، أن الكذب هو الكذب .. أيا كان الزي الذي يتزيا به .. فى الفنون والعلوم على السواء.
وفي المأثور : «ما كان الصدق فى شىء إلّا زانه ، وما كان الكذب في شىء إلا شانه». فكيف يزدان قول أو عمل ، يكون الزور لحمته والباطل سداه؟
وإذن فأحق ما ينبغى أن يقال في الشعر ـ من حيث هو فن رفيع من