الفنون الجميلة ـ أن يقال : «أعذب الشعر أصدقه» .. فبقدر ما يحمل الشعر من الصدق ، بقدر ما تكون عذوبته وحلاوته ، وبقدر ما يكون بهاؤه وجلاله ..
إن الحق ـ فى ذاته ـ مستغن عن الزيف والبهرج ، وفي غير حاجة إلى هذا الطلاء المموه ، من الزور والبهتان.
إن الفنون الرخيصة المبتذلة ، هى التي يتستر ضعفها وهزالها ، وراء هذا الطلاء الزائف ، من الزور والبهتان ..
أما الفنون الرفيعة العالية ، فهى لا تكون على هذا الوصف من العلوّ والرفعة ، إلا إذا كانت حقا خالصا ، وصدقا مصفّى
وفي الأعمال الفنية المصوغة من الكلمة ، أو الحجر ، أو الوتر ، أو اللون ـ شاهد لهذا .. فما لبس ثوب الحقيقة منها ، فهو الخالد الذي يعيش في الإنسانية ، ويطلّ عليها من عليائه ، كما يطل شعاع الشمس في يوم قارس البرد ، لافح الزمهرير ، فينعش النفوس ، ويثير المشاعر ، ويحرك الهمم ، ويشد العزائم .. وعلى عكس هذا ، ما تزيا بالكذب والخداع من الفنون ، فإنما هو سراب خادع ، يلوح في العين ببريقه ، فيحسبه الظمآن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
فصدق الشاعر مع نفسه ، وإلزامها طريق الحق ـ أيا كان وقعه عليه ، وأثره فيه ـ يجعله يصدق مع الناس ، ومع الأشياء .. فإذا قال شعرا جاء شعره ممسكا بالصميم من الحق ، كاشفا عن أسرار هذا الوجود ، فى عوالمه الحية والجامدة ، على السواء .. فيحدّث عن دخائل النفس الإنسانية ، كما يحدث عن أحلام هذا الحجر الملقى في عرض الطريق!
والصدق لا ينزل إلا حيث النفوس العظيمة ، التي ، تتسع له ، وتحتمل تبعاته ،