وتقدر على الوفاء به ، على المنشط والمكره .. أمّا صغار النفوس ؛ فإنها تضيق بكلمة الصدق ، وتضعف عن أن تحتملها .. إن طريقها لا تستقيم أبدا مع الطريق المستقيم .. تماما كالجبان يتحرك نحو ساحة القتال ، ولقاء الأبطال .. إنه يتقدم ويتأخر ، ويستقيم ويلتوى .. وهيهات أن يكون الثعلب والأسد على سواء .. فى مواجهة الواقع وتحديه!
وهكذا نجد شاعرا من أصحاب النفوس الكبيرة ، كالمتنبى ، مثلا ، تحمله نفسه الكبيرة على أن يقف موقف النّدّ مع ممدوحه سيف الدولة ، أمير الدولة الحمدانية ، ولا يرضى أن يكون حاشية من حواشيه .. حتى إذا التقى بكافور صاحب مصر ، نظر إليه من سماء عالية ، ولم يستطع أن يكتم ما بنفسه ، من مشاعر العظمة لذاته ، والإحقار لكافور ، فيظهر ذلك في كل شعر قاله فيه .. ومن هنا لم يلتقيا على طريق ، فافترقا من أول لقاء!
وأكثر من هذا ..
فإن المتنبي ، أبى عليه صدقه مع نفسه ، أن يلتزم ما التزمه الشعر العربي من مطالع الغزل في كل قصيدة ، مدحا كانت ، أو ذما ، أو رثاء .. فصرخ من أعماقه تلك الصرخة المدوية ، التي رمى بها في وجه هذا الغزل المصطنع ، وقال :
إذا كان مدح فالنسيب المقدم؟ |
|
أكل فصيح قال شعرا متيّم؟ |
بل إنه ليذهب إلى أبعد من هذا ، فلم يرتض من أسلوب الحياة إلّا ما كان صميم الحياة ذاتها ، ومن واقعها البعيد عن الصنعة والدّخل ، حتى إنه ليعيب المرأة المتجمّلة بغير جمال الفطرة ، الأمر الذي يكاد يكون طبيعة فى بنات حواء .. فيقول :
أفدى ظباء فلاة ما عرفن بها |
|
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب |
حسن الحضارة مجلوب بتطرية |
|
وفي البداوة حسن غير مجلوب |