فيلقى هذا النداء الكريم ، وهذا اللطف اللطيف بهذا العناد اللئيم ، الذي وصفه الله تعالى في قوله : (فَكَذَّبَ وَعَصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢١ ـ ٢٤ النازعات).
وعلى غير هذا تماما ، كان موقف عباد الله المؤمنين ، الذين يعرفون لله قدره ، ويذكرون له فضله ..
ومن هؤلاء داود وسليمان .. عليهماالسلام .. لقد آتاهما الله خير ما يؤتى الإنسان من فضل وإحسان ، وهو العلم ، الذي من ملكه ، ملك أقوى ما على هذه الأرض من قوة ، يستطيع بها أن يستولى على سلطان هذا العالم كله .. ومع هذا ، فإنهما استقبلا هذه النعمة الجليلة العظيمة ، بالحمد ، والشكر ، والولاء لله ، وخفض الجناح لعباد الله ، ولكل ما خلق الله .. حتى إن سليمان عليهالسلام ، وهو في أروع مظاهر سلطانه ، وفي أعظم مجالى قدرته وقوته ، يقف بين يدى أضعف مخلوقات الله ، وهي النملة .. فيأخذ منها العبرة والعظة ، وينظر من خلال ملكها إلى ملكه العريض ، فيرى أن لها سلطانا كسلطانه ، وملكا كملكه ، وسياسة رفيقة رحيمة ، أروع وأعظم من سياسته ، فلا يملك إلا أن يخشع لسلطان الله بين يديها ، ويسبح بحمده وجلاله. فيقول في محراب ملكها الذي تسبح فيه بحمد الله : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ)! فأين موقف فرعون ، من هذا الموقف؟ وأين الأرض من السماء؟ وأين الباطل من الحق ، والعمى من الهدى؟ وأين أعداء الله من أولياء الله؟.
وفي قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) إشارة إلى أن الذي أعطاهما الله إياه من العلم ، هو ـ على عظمته وجلاله ـ شىء قليل ، لا يكاد يذكر