إنه يدين سليمان في هذه الإنسانية الضالة ، التي ينتمى إليها سليمان ، باعتباره واحدا من عالم الناس!
ثم ماذا بقي لسليمان من فضل على هذا المخلوق الضعيف؟
إن سلطان سليمان ـ كملك ـ قصر عن أن يمتد إلى ما وصل إليه سلطان الهدهد ، وأحاط به علمه!.
وإن دعوته كنبيّ .. لا تقوم على أكثر من هذه الدعوة التي يدعو بها الهدهد .. وإن حجته على دعوته ، ليست بأقوى من حجة هذا الهدهد!
فماذا بقي للإنسان في أكمل صوره ، وأحسن أحواله ، وأعلى منازله.؟ ماذا بقي له من فضل ، على أضعف مخلوقات الله وأقلها شأنا .. كالنملة والهدهد؟ إن جهل الإنسان بأسرار هذا الوجود ، هو الذي يخيل إليه أنه سيّد هذا العالم ، وأنه قد علم مالم يعلمه غيره من مخلوقات الله ..
وهذا ـ لا شك ـ رحمة من رحمة الله بالإنسان .. إذ لو انكشف له الغطاء عن أسرار هذا الوجود ، وما أودع الخالق في مخلوقاته من عجائب وأسرار ـ لمات الإنسان حسرة وكمدا ، على ضآلة شأنه ، وكثافة جهله ، ولانطفأت في نفسه شعلة الأمل التي تدفىء صدره ، وتغريه بالاندفاع وراء المجهول ، لكشف الستر المحجّب وراءها ، ولوقف من هذا الوجود موقف الذليل المهين أمام سلطان جليل مهيب .. وصدق الله العظيم : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). (٨٥ : الإسراء)
ولعل خير شاهد لهذا الذي نقول ، ما يعانيه الغرب اليوم من قلق نفسى ، وحيرة فكرية ، واضطراب سلوكيّ .. ومرّد هذا كله ـ فيما نرى ـ إلى هذا القدر الضئيل ، الذي انكشف للعقل من أسرار الوجود ، دون أن يرتبط ذلك بالإيمان بالله ، وإضافة هذا إلى علمه وقدرته ، وإبداعه في خلقه .. فكان