الأثر المباشر لهذا ، هو ضمور شخصية الإنسان ، وصغاره ، وضآلة شأنه بين عوالم الوجود ..
وليست هذه النظرات المتشائمة ، التي قامت عليها هذه المذاهب المادية السوداء ، التي يعيش فيها الغرب اليوم ـ ليست إلا أثرا من آثار هذه الكشوف العلمية ، التي ألقت أضواء خافتة على أسرار هذا الوجود ، فظهر الإنسان فى شعاعاتها المضطربة المتراقصة ، كأنه حشرة حقيرة ، أو دودة هزيلة ، أو قرد خلقه الله ليتسلى به في أبديته الطويلة المملة ، كما يقول كبير الفلاسفة «نيتشه»!.
ونعود إلى القصة!
فهذا سليمان ، يلقى الهدهد ، بعد أن تلقى منه هذا الدرس القاسي ـ يلقاه بشىء من اللطف والموادعة ، فيقول له :
«سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين».
وسليمان يعلم أن الهدهد صادق فيما جاء به من ألباء! ومن أين تعرف الطيور الكذب ، وليس بينها وبين الإنسان قرابة أو نسب؟
«سليمان» ، يعلم أن الهدهد شهد بما علم ، وتحدث بما رأى ، ولكن سلطان الملك تخرج كبرياؤه إن هو تعرّى أمام الرعية .. فكان من السياسة أن يلقاه بهذا القول الذي ينبىء عن أن سليمان ما زال هو صاحب الدولة والسلطان .. «سننظر!!» .. إنها كلمة صاحب الأمر ، وقاموس أرباب السلطان!
وفيم سينظر؟ إنه سينظر في أمر هذا «الهدهد» .. أصدق فيما يقول .. أم كان من الكاذبين؟! إنها كلمة جارحة ، تكلم فؤاد هذا «المخلوق» ..