وثالثا : أنه ليست العبرة هنا في ذوات الأشخاص ، وإنما العبرة بالصفة التي يكونون عليها مع آيات الله .. فحيث كان التكذيب بها ، كان التدمير ، وكان الهلاك .. يستوى في هذا فرعون وغير فرعون .. فما دمّر الله فرعون لأنه فرعون ، وإنما لأنه كذّب بآيات الله .. وهؤلاء الذين يكذبون بآيات الله من المشركين ، هم فراعين ، يلقون ما لقى فرعون!
وفي هذا العرض الموجز للقصة كلها : (اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) تهديد بهذا البلاء المطلّ على رءوس المشركين ، وأنه منهم كلمح البصر أو هو أقرب .. إنه التكذيب ، فالهلاك والتدمير ..
قوله تعالى :
(وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً).
الواو في قوله تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ) للعطف ، (وَقَوْمَ نُوحٍ) معطوف على قوله تعالى : (فَدَمَّرْناهُمْ) أي وكذلك دمّرنا قوم نوح لمّا كذّبوا الرسل.
والتدمير الذي وقع على فرعون ، وعلى قوم نوح ، هو الإغراق .. ومن هنا كان عطف الحدثين وجمعهما في سياق واحد ..
وعلى هذا يكون قوله تعالى : (أَغْرَقْناهُمْ) هو جواب عن سؤال : كيف كان تدمير هؤلاء وهؤلاء؟ فكان الجواب : (أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) .. فالإغراق والعبرة الماثلة للناس من هذا الإغراق ، هو حكم واقع على الفريقين معا .. وكذلك التعقيب على هذا الحكم : (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) هو تعقيب على مهلك السّابقين واللّاحقين .. ثم هو تهديد ووعيد للحاضرين ، والآتين!