المحسوسات إلّا وفي الجانب الآخر ، الوجه المضاد له .. فإن لم نجد هذا الوجه بحثنا عنه ، حتى نعثر عليه ، واقعا أو متخيّلا.
وفي قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) إشارة إلى أن هذا الظل هو فى يد الله ، وتحت سلطان مشيئته ، وأنه سبحانه لو شاء أن يجعله ساكنا ، أي مقيما أبدا على حال واحدة لا ينسخه ضوء ـ لو شاء سبحانه ذلك ، لنفذت مشيئته ، ولأظلّنا هذا الظلّ أبدا .. ولكنه سبحانه قضى ـ بحكمته ورحمته ـ أن ينسخ الظلّ بالنور ، وأن ينسخ النور بالظل ، فنلبس في حياتنا هذين الثوبين على التناوب ، كل يوم ..
وفي قوله تعالى : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) ـ إشارة إلى حركة التناسخ بين الظل والنور .. وأن يد القدرة تقبض الظلّ شيئا فشيئا ، على حين تبسط النور بقدر ما تقبض من الظل ..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ* وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٧١ ـ ٧٣ : القصص) ..
والصورتان ، وإن كانتا تدلان على مدلول واحد ، إلا أن الصورة الأولى ـ على صغرها ـ فيها حركة ، وفيها تفصيل ، أريد بهما الالتفات إلى تلك العملية ، التي تجريها يد القدرة في تناسخ الليل والنهار ، أو الظلام ، والنور ، على حين أن الصورة ثانية كانت غايتها الكشف عن الحكمة في هذا التناسخ ، وبهذا تتآلف الصورتان ، وتتكون منهما صورة واحدة وإن كانت كل صورة منهما قائمة على التمام والكمال ، لا ينقصها شىء من الألوان أو الظلال ..