ومجىء الأمر ، على هذا الأسلوب الاستفهامى ، هو إغراء بهذا الأمر. حيث يطلع من هذا الاستفهام إنكار ، واستغراب من عدم النظر إلى الظل ، وكيف مدّه الله .. ثم يطلع من هذا الإنكار والاستغراب داع يدعو إلى المبادرة بالنظر ، وإدراك مافات .. والتقدير هكذا : ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظل؟ ماذا صرفك عن هذا؟ فيأيها الإنسان إذا كنت إلى الآن لم تكن قد نظرت فهيّا ، فذلك أمر لا ينبغى أن يفوت ذا عقل!
وقوله تعالى : (إِلى رَبِّكَ) أي إلى قدرة ربّك ، وحكمته ورحمته .. وهذا يعنى النظر إلى الله سبحانه وتعالى من خلال آثاره ، وما يتجلّى على هذه الآثار ، من صفات الكمال والجلال ، التي تفرّد بها ، الإله الواحد ، الفرد الصمد .. وفي إضافة النبيّ الكريم إلى ربّه ، تكريم له ، وأنس لوحشته ، فى هذا الوقت العصيب ، الذي كان يعيش فيه مع قومه ، وقد وصفوه بالجنون والسّفه.
وقوله تعالى : (مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي نشره ، وبسطه .. حتى ليكاد يغمر الكائنات.
وقوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) ـ إشارة إلى أنه لولا الشمس ، لما عرف الظل ، فظهور الشمس ، هو الذي يدل على أن هناك ظلّا يطوى ، فتحرك الظلّ مع الشمس هو الذي يدل على وجوده ، وإن كان موجودا فى ذاته .. وهذا يعنى أن التضادّ بين الأشياء ، هو الذي يدل على وجودها ، ويجعل لهذا الوجود صفات ، تحدد شخصيته ، وذاتيته .. وهذا يعنى أيضا أن التضادّ أمر لازم في نظام حياتنا البشرية ـ على الأقل ـ حتى نميز بين الأشياء ونحدّد سلوكنا إزاءها .. فهناك الخير والشر ، والهدى والضلال ، والكفر والإيمان ، والنور والظلام ، والجميل والقبيح ، والحلو والمرّ .. إلى ما لا يحصى من محسوسات ومعنويات .. حتى لا نكاد نجد معنى من المعاني ، أو محسوسا من