أخذ حاجته منه زهد فيه ، ثم إذا عاوده مرة ومرة عافه ، كما عاف بنو إسرائيل ما أنزل الله عليهم من المنّ والسلوى!.
ومن هنا كانت هذه المعجزة «الكلامية» هى المعجزة الخالدة على الزمن لأنها تصحب العقل دائما ، وتلتقى به في كل زمان ومكان .. حيث تجد فيها العقول على اختلاف مستوياتها ، وعلى امتداد أزمانها وأمكنتها ـ النور الذي يكشف لها معالم الطريق ، إلى الحق والخير ، فلا تضلّ ، ولا تزيغ.
ـ وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) هو كشف عما بين هؤلاء المشركين من أهل مكة ، وبين فرعون وآل فرعون ، حيث يجمعهم الضلال ، والعناد ، والاستكبار .. فإذا كان فرعون قد كفر بما أوتى موسى ، وقال لموسى حين أراه آيات ربه الكبرى : (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) .. «٣٦ : القصص» فلن يكون من هؤلاء المشركين إلا الكفر بكل آية .. إنهم وفرعون على سواء .. فهم وإن لم يكونوا قد التقوا بموسى وكفروا بما معه من آيات ، فقد التقوا به في شخص فرعون ، الذين هم من طينته ، وعلى شاكلته!! فلم يطلبون إذن أن يأتيهم النبيّ بمثل تلك الآيات التي كانت مع موسى ، وقد كفروا بها على لسان فرعون ، الذي هو واحد منهم ، وإمام من أئمتهم؟
ـ قوله تعالى : (قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) .. هو مزج المشركين بفرعون ، مزجا كاملا ، وجمعهم وإياه في كيان واحد ، بحيث يكون لهم موقف واحد ، ومنطق واحد ، وإن بعد المدى بينهم وبينه ، زمانا ، ومكانا ، ولسانا ، ومجتمعا .. فهذه الفواصل كلها فواصل مادية .. لا تقوم حجازا بين ائتلاف الأهواء ، والتقاء المشارب .. إن هواهم جميعا واحد ، وإن مشربهم على سواء ..
وهنا ترى فرعون يبعث من مرقده بعد آلاف السنين ، ويحضر مجلس