الموقف ، بل أعرضوا ، قائلين : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم ، لا نجالس الجاهلين ، ولا نتجه إليهم ، وإنما نحن طلاب هدى وحق .. نطلب أهل الهدى والحق ، ونرتاد مجالس أهل العلم والمعرفة!
هذا ، ويلاحظ أن هذه الآيات مكية ، أي أنها نزلت ولم يكن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد لقى أهل الكتاب بدعوته لقاء مباشرا ولهذا جاء أسلوب النظم معلقا بالمستقبل .. مثل قوله تعالى : (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) وقوله : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا) .. وقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) .. فهذا إرهاص بما سيطلع به المستقبل من موقف أهل الكتاب من رسول الله ، ومن الكتاب الذي معه ..
وهذا العرض المسبّق لأحداث المستقبل ، فوق أنه تلويح لأهل الكتاب بما لهم من شأن في الدعوة الإسلامية ـ هو ـ كما قلنا ـ تحريض للمشركين من العرب ، أن يبادروا بالدخول في هذه الدعوة ، وأن يسبقوا إلى الإيمان بها ، فهم أحق بها وأهلها .. ثم هو تثبيت لقلوب المؤمنين ، بعرض ما يلقاه المؤمنون على طريق الإيمان من مكاره ، وما يساق إليهم من أذى .. وأنهم يقابلون ذلك بالصبر ، ودفع السيئة بالحسنة ، والإعراض عن السفاهة ..
قوله تعالى :
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) هو تعقيب على هذا الموقف الجانبى ، الذي عرض فيه القرآن الكريم على أنظار المشركين ، ما سيكون من أهل الكتاب مع الدعوة التي يدعوهم إليها رسول الله ، وأن كثيرا منهم سيدخلون في هذا الدّين ..