وفي هذا التعقيب إشارة إلى أن كثيرا من المشركين من قوم الرسول ، وذوى قرابته لا يدخلون في هذا الدّين ، ولن يكونوا في المؤمنين ، ولو حرص الرسول على هداهم ، وأحبّ أن يراهم في المهتدين المؤمنين .. فليس للرسول أن يهدى من أحبّ ، وإنما هو يهدى من أراد الله له الهداية. وغير قليل من حرص الرسول الكريم على هداهم ، لم يرد الله لهم الهدى ، وإذن فلن يهتدوا أبدا .. (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٥٦ : القصص).
وفي هذا ما يكشف عن صميم الدعوة الإسلامية ، وعن عظمة هذه الدعوة ، وعن شمولها وعمومها ، وأنها تقوم على مبدأ إنسانى عام ، لا يخالطه شىء من قرابة أو عصبية ، حتى ولو كانت قرابة صاحب الدعوة ، وعصبيته .. فهذه دعوة من الله إلى عباده ، ومائدة سماوية ممدودة إلى كل من تهفو نفسه إليها ، وتمتد يده لها .. فمن جاء فلا يردّ ، ومن أبى فلا يحمل إليه الزاد ، ولا يحمل هو عليه .. وها نحن أولاء نرى على مائدة السماء تلك ، أيديا غريبة متمكنة ، تنال من كل شىء منها ، على حين نرى أيديا من أهل بيت النبيّ الذي تمدّ المائدة في رحابه ـ ليس لهم مكان على هذه المائدة .. فترى على المائدة رجالا كبلال الحبشي ، وسلمان الفارسيّ وصهيب الرومي ، ولا نرى أبا طالب عم النبي! .. ومن عجب أن يكون هذا في مجتمع يقوم أمره كله على العصبية ، وتجرى حياته كلها على اقتسام الخير والشر بين أبناء البيت الواحد ، أو القبيلة الواحدة .. وهذا أبلغ شاهد ، من شواهد كثيرة لا تحصى على أن دعوة الإسلام من وحي السماء ، وليس للبشر صفة فيها أو تدبير لها .. إنها من عند الله ، لعباد الله.
قوله تعالى :
(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا .. أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا .. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).