من تعلّات المشركين ، الذين أبوا أن يستجيبوا لرسول الله ، وأن يدخلوا فى دين الله ـ هذا القول لذى يقولونه زورا وبهتانا : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا)!.
وهذا القول منهم ، هو شهادة عليهم بألسنتهم ، بأنهم أهل سفه وضلال ، وليسوا أصحاب مبادئ وأخلاقيات .. إذ كيف يعلمون أن هذا الذي يدعون إليه هو الهدى ، ثم لا يتبعونه ، ويؤثرون أن يعيشوا في ضلال ، خوفا من ضرّ يلقاهم ، أو أذى يصيبهم؟ ومتى كان أصحاب المبادئ والمثل ، يخشون ضرا ، أو يرهبون أذى؟ ألا ينظرون إلى بلال وإلى أبيه وأمه ، وإلى غيرهم وغيرهم ، وهم يطعمون من أيديهم هذا العذاب الأليم ، فى سبيل المبدأ والعقيدة ، دون أن يزحزحهم عنه هذا البلاء الذي مات بعضهم تحت سطوة سياطه ، وهو يقول : «أحد أحد»! ألم يكن لهم في هذه المواقف البطولية عبرة وعظة؟ ألا يدعوهم الشرف والمروءة ـ وهم السادة الأشراف ـ أن يرتفعوا إلى هذا المستوي الذي ارتفع إليه عبيدهم وإماؤهم؟ ولكنها العقول حين تضل ، والبصائر حين تعمى ..!!
ثم من قال لهؤلاء الضالين ، إنهم لو اتبعوا الهدى ستخطفون من أرضهم؟ ألا يرون ما لله عليهم من فضل وإحسان ، وقد جعل لهم ـ وهم في الشرك والضلال ـ حرما آمنا ، حيث يتخطف الناس من حولهم ، وهم في حرم الله آمنون ، وحيث تحج إلى هذا الحرم قبائل العرب جميعا ، تحمل إليهم مما في أيديها من ثمرات وخيرات ، كما تحمل إليهم مما في قلوبها من توقير وتكريم ، لما لهذا البيت من توقير وتكريم؟ فإذا كان ذلك هو شأن الناس معهم وهم على الشرك والضلال ، أفلا يكون لهم مثل هذا الشأن ، وهم على الهدى والإيمان؟