رحمته .. فهذا الحضور للوجود كله ، بين يدى رحمة الله ، هو دعوة جامعة إلى صلاة شكر ، وحمد ، وثناء .. لله رب العالمين.
قوله تعالى :
(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً).
هو بيان للحكمة من سوق هذه الرحمة إلى الناس .. إنها حياة لكل ميت ، وبعث لكل هامد ..
ففى قوله تعالى : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) إشارة إلى أن الماء هو أصل الحياة ، ومبعثها ، كما يقول سبحانه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
وفي قوله سبحانه : (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) ـ إشارة إلى أن الماء ، هو الذي يمسك الحياة على الأحياء ، بعد أن قامت به الحياة ذاتها .. فهو الذي يقيم الحياة بقدرة الله ، وهو الذي يمسكها ، برحمة الله! ..
وفي تقديم الأنعام على الناس ـ إشارة إلى أن رحمة الله ، تسرى في الكائنات كلها ، وأنها ليست ، للناس وحدهم ، كما يقع ذلك عند بعض ذوى العقول القاصرة .. والله سبحانه وتعالى يقول :
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٦ : هود).
وليس هذا فحسب ، فإنه مع تقديم الأنعام على الناس ، استعمل القرآن لفظ «ما» الذي هو لغير العقلاء ، بدلا من «من» الذي للعقلاء ، فقال تعالى : (مِمَّا خَلَقْنا) بدلا «ممن خلقنا» وذلك لتوكيد المعنى المقصود هنا ،. وهو أن الأنعام لها عند الله سبحانه وتعالى وزنها وتقديرها ، وأنها إذ كانت أقل حيلة من الإنسان ، فقد كفل الله سبحانه لها حاجتها ، وقدم مطلوبها على مطلوب