الإنسان ، شأن الأب ، يرعى صغاره ، وينظر في حاجة الصغير قبل الكبير .. إذ كان الصغير لا حيلة له ، على حين أن الكبير يستطيع أن يدبر أمره ، ويرعى شئونه .. ومع هذا فإن الأب لا يحرم الكبير ـ وإن بلغ مبلغ الرجال ، أو الشيوخ ـ عطفه ، وحنانه ، ورحمته!
وهذه النظرة إلى الآية الكريمة ، جديرة بأن تفتح الأعين على حقيقة ينبغى أن يعيها المجتمع الإنسانى ، وأن يجعلها أساسا من أسس النظام الذي يقوم عليه المجتمع ، وتلك الحقيقة ، هى أن ضعاف المجتمع ، الذين لا حول لهم ولا حيلة في جلب خير ، أو دفع ضر ، هم أولى الناس بالرعاية وبتوفير أسباب الحياة لهم ، حتى يأخذوا مكانهم في المجتمع ، فينتظم خطوهم ، ويجتمع شملهم مع شمله فى أسرة واحدة ، متكافلة ، متساندة ..
قوله تعالى :
(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً).
الضمير فى (صَرَّفْناهُ) يراد به القرآن الكريم ، وهو إن لم يجر له ذكر صريح في الآيات السابقة ، فإنه مذكور في كل كلمة ، وفي كل آية .. فهذه الآيات السابقة ، هى بعض القرآن الكريم في مجموعه ، وهي القرآن الكريم كله فى مضمونه ..
وتصريف القرآن ، هو تنويع معارضه ، وعرض حقائقه ومقرراته في صور متعددة ، بين الإيجاز والبسط ، والإجمال والتفصيل ، والتصريح والتلميح ، إلى غير ذلك من أساليب البيان ، التي ملك القرآن زمانها ، واستولى على غايتها ..
وقوله تعالى : (لِيَذَّكَّرُوا) بيان للحكمة من هذا التصريف ، وهو أن يجد