فى هذه الآية إشارة إلى أن أهل هذا البلد الحرام ، قد بطروا معيشتهم ، وكفروا بأنعم الله ، واستوجبوا العذاب والبلاء .. ولكن الله سبحانه وتعالى ـ رحمة بعباده ، وإقامة للحجة عليهم ـ لم يشأ أن يأخذهم بذنوبهم قبل أن يعذر إليهم ، وينذرهم على يد رسوله .. فما أهلك سبحانه وتعالى قرية من القرى إلا بعد أن بعث إليها رسولا مبشرا ومنذرا ، كما يقول سبحانه : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢٠٨ : الشعراء).
وها هي ذى القرية ، البلد الحرام ، قد كفر أهلها بالله ، وها هو ذا رسول الله فيهم ، قد جاء لينذرهم بين يدى عذاب شديد .. فإن هم استجابوا له ، ورجعوا عما هم فيه نجوا ، وسلموا من بأس الله في الدنيا ، ومن عذابه في الآخرة ، وإن أبوا إلا ضلالا وعنادا ، فهم في الهالكين .. (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤١ : المائدة).
والأمّ : الرأس من كل شىء .. وأم القرى رأسها ، ومجتمع قراها .. وهي هنا مكة .. وفي هذا يقول الله تعالى : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٩٢ : الأنعام).
قوله تعالى :
(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ).
هو نذير من تلك النذر ، التي ينذر بها القوم على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك أن أكثر ما يصرفهم عن الدعوة الإسلامية ، ويصمّ آذانهم عنها ، هو خوفهم على ما في أيديهم من جاه وسلطان ، وما يجلبه عليهم جاههم وسلطانهم من مال ومتاع .. فكان قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ