وبأنه منزل من السماء ، من كلام ربّ العالمين! ثم يتمادون في هذا الضلال ، فيقولون : إن هذا الخلط الذي وقع فيه التكرار ، إنما هو أثر من آثار تلك الأحوال النفسية التي كانت تنتاب محمدا ، فتخرج به عن وعيه ، وتجىء الكلمات التي ينطق بها في تلك الحال ، مردّدة مقطعة ، كما يقع هذا للمحمومين والمصروعين ، وأنه لا يكاد يبدأ القصة حتى ينصرف عنها ، ثم يذكرها فيعود إليها ، ثم ينصرف عنها .. وهكذا ..
وإن الذين يقولون هذا القول ، أو يحكونه عنهم ، هم أعاجم أو أشباه أعاجم ، لم يذوقوا البلاغة العربية ، ولم يتصلوا بأسرارها .. ولو أنهم رزقوا شيئا من هذا لما اتسع لهم باب الخروج عن الحياء ، لأن يقولوا هذا القول ، وأن ينطقوا بهذا البهتان العظيم ، ولردّهم أقلّ الحياء أن يقولوا قولا لم يقع في حساب «قريش» نفسها ، وهي تتصيد التهم والمفتريات على القرآن الكريم ، وحتى لقد بلغ بها الأمر في هذا ، أنها لو وجدت زورا من القول لقالته فيه ، ورمته به .. ولكن الزور نفسه أعياها أن تمسك به ، فى وجه هذا الحق المشرق المبين.
فكان أكثر قول القوم فيه ما حكاه القرآن عنهم : «وقالوا (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ).
وقد ردّ عليهم القرآن هذا القول ، فقال تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً).
وإذا لم يكن لقريش أن تقول هذا القول ، فى وجه عداوتها وحربها للنبيّ ، وهي مرجع الفصاحة والبلاغة وموطنهما ، فكيف يساغ هذا القول من أعاجم وتلاميذ أعاجم؟ إن ذلك لهو الضلال البعيد.
وندع الردّ على هذه المفتريات ، ويكفى أن نعرض وجوها من هذا التكرار ، لنرى ما يطالعنا من بعض أسراره ، التي هي وجه من وجوه إعجازه ، وفيها الرد أبلغ الردّ على هذا الضلال المبين.