ما داعية هذا التكرار :
كانت هذه الظاهرة ـ ظاهرة تكرار القصص القرآنى ـ على تلك الصورة الواضحة ، مما استرعى أنظار العلماء إليها ، وحرك عقولهم وألسنتهم للكشف عن أسرارها ودواعيها ..
فهذا أبو بكر الباقلّانيّ ، يقول في كتابه «إعجاز القرآن» :
إن إعادة القصّة الواحدة بألفاظ مختلفة ، تؤدّى معنى واحدا ـ من الأمر الصعب ، الذي تظهر فيه الفصاحة ، وتبين البلاغة».
وهو يريد بهذا القول أن يقول : إن عرض الموضوع الواحد بأساليب مختلفة من القول ، دون أن تتغيّر معالمه ، ودون أن يضعف أسلوب عرضه ، هو من العسير ، الذي لا يقدر عليه إلا من كان ذا ملكة بيانية ، واقتدار بلاغي ، وذلك في حدود لونين أو ثلاثة من ألوان العرض ، فإذا جاوز ذلك اضطرب الأسلوب ، وبهتت المعاني ، إلا أن يكون ذلك من تدبير الحكيم العليم .. رب العالمين.
ثم يقول «الباقلاني» :
«وأعيد كثير من القصص (القرآنى) فى مواضع مختلفة ، ونبّهوا ـ أي العرب ـ بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله ، مبتدأ ، ومكررا».
ويريد الباقلاني بهذا ، أن يقرر : أن من صور التحدي الذي عجز العرب عنه ، إزاء القرآن ، هو عرض القصص القرآنى ، عرضا متفاوتا بين الطول والقصر ، والبسط والقبض ، وقد وسّع عليهم بهذا مجال المعارضة والمحاكاة .. فلم يكن منهم إلّا العجز والاستخزاء!
وهذا القول من «الباقلانيّ» لا يكشف عن السرّ الذي نراه في التكرار