ومن طريق محمّد بن زكريّا الغلابيّ ، عن العباس بن بكار ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : جاء أبو بكر بأبي قحافة ، وهو شيخ قد عمي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا تركت الشيخ حتى آتيه (١). قال : أردت أن يأجره الله ، والّذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك.
وأسانيد هذه الأحاديث واهية ، وليس المراد بقوله في الحديث الأخير إثبات إسلام أبي طالب ، فقد أخرج عمر بن شبة في كتاب مكة ، وأبو يعلى ، وأبو بشر سمويه في فوائده ، كلهم من طريق محمّد بن سلمة ، عن هشام بن حسان ، عن محمّد بن سيرين ، عن أنس في قصة إسلام أبي قحافة ، قال : فلما مدّ يده يبايعه بكى أبو بكر ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما يبكيك؟» قال : لأن تكون يد عمك مكان يده ويسلم ويقرّ الله عينك أحبّ إليّ من أن يكون.
وسنده صحيح. وأخرجه الحاكم من هذا الوجه ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وعلى تقدير ثبوتها فقد عارضها ما هو أصحّ منها.
أما الأول ففي الصحيحين من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه ـ أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقال : «يا عمّ ، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله». فقال له أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملّة عبد المطلب ، فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال : هو على ملّة عبد المطلب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» (٢). فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ١١٣] الآية. ونزلت : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦].
فهذا هو الصحيح برد الرواية التي ذكرها ابن إسحاق ، إذ لو كان قال كلمة التوحيد ما نهى الله تعالى نبيّه عن الاستغفار له.
وهذا الجواب أولى من قول من أجاب بأن العباس ما أدّى هذه الشهادة وهو مسلم ، وإنما ذكرها قبل أن يسلم ، فلا يعتد بها ، وقد أجاب الرافضيّ المذكور عن قوله : وهو على
__________________
(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٣٣٤ والطبراني في الكبير ٩ / ٢٩.
وأورده الهيثمي في الزوائد ٦ / ١٧٧ وقال رواه الطبراني والبزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح ٥ / ٦٦ ، ٦ / ١٤١ ، وأحمد في المسند ٥ / ٤٣٣ والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٣٦ وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه فإن يونس وعقيلا أرسلاه ووافقه الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة ٢ / ٣٤٣.