(إِيمانَكُمْ) : صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس قبل التحول إلى الكعبة.
(لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) : يدفع الضرر عنكم ويفيض الإحسان عليكم.
معنى الآيتين :
يخبر الله تعالى بأمر يعلمه قبل وقوعه ، وحكمة الإخبار به قبل وقوعه تخفيف أثره على نفوس المؤمنين إذ يفقد نقدهم المرير عنصر المفاجأة فيه فلا تضطرب له نفوس المؤمنين.
فقال تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها؟) وحصل هذا لما حوّل الله تعالى رسوله والمؤمنين من استقبال بيت المقدس (١) في الصلاة إلى الكعبة تحقيقا لرغبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ولعلة الاختبار (٢) التي تضمنتها الآية التالية فأخبر تعالى بما سيقوله السفهاء من اليهود والمنافقين والمشركين وعلّم المؤمنين كيف يردون على السفهاء ، فقال : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فلا اعتراض عليه يوجه عباده حيث يشاء ، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وفي الآية الثانية (١٤٣) يقول تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) خيارا عدولا (٣) أي كما هديناكم إلى أفضل قبلة وهي الكعبة قبلة إبراهيم عليهالسلام جعلناكم خير أمة وأعدلها فأهلناكم بذلك للشهادة على الأمم يوم القيامة إذا أنكروا أن رسلهم قد بلغتهم رسالات ربهم ، وأنتم لذلك لا تشهد عليكم الأمم ولكن يشهد عليكم رسولكم وفي هذا من التكريم والإنعام ما الله به (٤) عليم ، ثم ذكر تعالى العلة في تحويل القبلة فقال : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) فثبت على إيمانه وطاعته وانقياده لله ولرسوله ممن يؤثر فيه نقد السفهاء فتضطرب نفسه ويجاري السفهاء فيهلك بالردة معهم. ثم أخبر تعالى أن هذه التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة شاقة على النفس إلا على الذين هداهم الله
__________________
(١) إذ صلى المؤمنون قرابة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس من قبل تحويل الله تعالى القبلة بهذه الآيات التي نزلت في شأنها. وروى مالك أن تحويل القبلة كان قبل غزوة بدر بشهرين.
(٢) الاختبار في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ).
(٣) في هذه الآية دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به لعدالة الأمة بشهادة ربّها فإذا أجمعت على أمر وجب الحكم به وفي أي عصر من العصور إلى قيام الساعة.
(٤) ومن هذا التكريم أنهم إذا شهدوا على أحدهم بالخير وجبت له الجنة لحديث الصحيح : مرّت جنازة فأثنى عليها خير فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وجبت وجبت وجبت» الحديث. فسئل فقال : «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض».