(لا بَيْعٌ فِيهِ) (١) : لا يشتري أحد نفسه بمال يدفعه فداء لنفسه من العذاب.
(وَلا خُلَّةٌ) : أي صداقة تنفع صاحبها.
(وَلا شَفاعَةٌ) : تقبل إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
(وَالْكافِرُونَ) : بمنع الزكاة والحقوق الواجبة لله تعالى ولعباده هم الظالمون.
معنى الآيتين :
بعد أن قص الله تبارك وتعالى على رسوله قصة ملأ بني إسرائيل في طلبهم نبيهم شمويل بأن يعين لهم ملكا يقودهم إلى الجهاد ، وكانت القصة تحمل في ثناياها أحداثا من غير الممكن أن يعلمها أميّ مثل محمد صلىاللهعليهوسلم بدون ما يتلقّاها وحيا يوحيه الله تعالى إليه وختم القصة بتقرير نبوته ورسالته بقوله : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أخبر تعالى أن أولئك الرسل فضل بعضهم على بعض ، منهم من فضله بتكليمه كموسى عليهالسلام ومنهم من فضله بالخلّة كإبراهيم عليهالسلام ومنهم من رفعه إليه وأدناه وناجاه وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ومنهم من آتاه الملك (٢) والحكمة وعلمه صنعة الدروع كداود عليهالسلام ، ومنهم من آتاه الملك والحكمة وسخر له الجن وعلمه منطق الطير كسليمان عليهالسلام ، ومنهم من آتاه البينات وأيده بروح القدس وهو عيسى عليهالسلام. فقال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى (٣) بَعْضٍ ، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) كنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم إذ فضله بعموم رسالته وبختم النبوات بنبوته ، وبتفضيل أمته ، وبإدخاله الجنة في حياته قبل مماته وبتكليمه ومناجاته مع ما خصه من الشفاعة يوم القيامة. ثم أخبر تعالى أنه لو يشاء هداية الناس لهداهم فلم يختلفوا بعد رسلهم ولم يقتتلوا من بعد ما جاءتهم البينات وذلك لعظيم قدرته ، وحرّية إرادته فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. هذا بعض ما أفادته الآية الأولى (٢٥٣) أما الآية الثانية (٢٥٤) فقد نادى الله تعالى عباده المؤمنين وأمرهم بالانفاق في سبيل الله تقرّبا إليه وتزودا للقائه قبل يوم القيامة حيث لا
__________________
(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة بالنصب من غير تنوين. وأنشد حسان وهو شاهد هذه القراءة :
ألا طعان ولا فرسان عادية |
|
الا تجشؤكم عند التنانير |
يهجو ناسا فيصفهم بالقعود عن القتال وملازمة التنور للطعام.
(٢) الحكمة هنا هي النبوة كما تقدم عن ابن كثير في «نهر الخير».
(٣) هل يجوز للمسلم أن يقول مثلا موسى أفضل من هارون أو إبراهيم أفضل من عيسى مثلا؟ الجواب لا لقوله صلىاللهعليهوسلم «لا تخيّروا بين الأنبياء ولا تفضلوا بين أنبياء الله» أي لا تقولوا فلان خير من فلان ، ولا فلان أفضل من فلان إذ نحن لا نقدر على التفضيل وإنما يقدر عليه الله وحده إذ هو الذي يهب ما يشاء لمن يشاء.