معنى الآيات :
بعد ما رغب تعالى عباده المؤمنين في الانفاق في سبيله في الآية السّابقة ناداهم هنا بعنوان الإيمان وأمرهم بإخراج زكاة أموالهم من جيد ما يكسبون فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ (١) آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ (٢) ، وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يريد الحبوب والثمار كما أن ما يكسبونه يشمل النقدين والماشية من إبل وبقر وغنم ، ونهاهم عن التصدق بالرّديء من أموالهم فقال : (وَلا تَيَمَّمُوا (٣) الْخَبِيثَ مِنْهُ (٤) تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) يريد لا ينبغي لكم أن تنفقوا الرديء وأنتم لو اعطيتموه في حق لكم ما كنتم لتقبلوه لو لا أنكم تغمضون وتتساهلون في قبوله ، وهذا منه تعالى تأديب لهم وتربية. وأعلمهم أخيرا أنه تعالى غنّي عن خلقه ونفقاتهم فلم يأمرهم بالزكاة والصدقات لحاجة به ، وإنما أمرهم بذلك لإكمالهم وإسعادهم ، وأنه تعالى حميد محمود بماله من إنعام على سائر خلقه كان هذا معنى الآية (٢٦٧) أما الآية (٢٦٨) فإنه تعالى يحذر عباده من الشيطان ووساوسه فأخبرهم أن الشيطان يعدهم الفقر (٥) أي يخوفهم منه حتى لا يزكوا ولا يتصدقوا ويأمرهم بالفحشاء فينفقون أموالهم في الشر والفساد ويبخلون بها في الخير ، والصالح العام أما هو تعالى فإنه بأمره إياهم بالإنفاق يعدهم مغفرة ذنوبهم لأن الصدقة تكفر الخطيئة ، وفضلا منه وهو الرزق الواسع الحسن ، وهو الواسع الفضل العليم بالخلق. فاستجيبوا أيها المؤمنون لنداء الله تعالى ، وأعرضوا عن نداء الشيطان فإنه عدوكم لا يعدكم إلا بالشر ، ولا يأمركم إلا بالسوء والباطل ، كان هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (٢٦٩) فإن الله تعالى يرغّب في تعلّم العلم النافع ، العلم الذي يحمل على العمل الصالح ، ولا يكون ذلك إلا علم الكتاب والسنة حفظا وفهما وفقها فيهما فقال
__________________
(١) قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ ...) الخ اثنتان من الله تعالى واثنتان من الشيطان. ويفسّره حديث الترمذي إذ فيه قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمة ، فأمّا لمة الشيطان فإيعاد بالشرّ وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثمّ قرأ : (الشَّيْطانُ ..) الآية.
(٢) الآية في الزكاة قطعا ، والنهي عن الانفاق من الردىء يشمل الزكاة. والتطوع معا.
(٣) روى الحاكم وصححه على شرط الشيخين في سبب نزول هذه الآية عن البراء قال : هذه الآية نزلت فينا ، كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه فيسقط منه البسر والتمر فيأكل وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص فيعلقه فنزلت : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الآية.
(٤) أي من الخبيث الذي هو الرديء.
(٥) تفتح فاء الفقر ، وتضم كالضّعف والضعف.