والمؤمنون من التصدق على الكافرين فأذهب الله تعالى عنهم هذا الحرج وأذن لهم بالتصدق على غير المؤمنين والمراد من الصدقة صدقة التطوع لا الواجبة وهي الزكاة فقال تعالى مخاطبا رسوله وأمته تابعة له : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) لم يوكل إليك أمر هدايتهم لعجزك عن ذلك وإنما الموكل إليك بيان الطريق لا غير وقد فعلت فلا عليك أن لا يهتدوا ، ولو شاء الله هدايتهم لهداهم ، وما تنفقوا من مال تثابوا عليه ، سواء كان على مؤمن أو كافر إذا أردتم به وجه الله وابتغاء مرضاته ، وأكّد تعالى هذا الوعد الكريم بقوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) والحال أنكم لا تظلمون بنقص ما أنفقتم ولو كان النقص قليلا. كان هذا معنى الآية الأولى (٢٧٢) أما الآية الثانية وهي : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ...) فقد بين تعالى فيها أفضل جهة ينفق فيها المال ويتصدق به عليها وهي فقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأحصروا في المدينة بجوار رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يستطيعون ضربا في الأرض للتجارة ولا للعمل ، ووصفهم تعالى بصفات يعرفهم بها رسوله والمؤمنون ولولا تلك الصفات لحسبهم لعفتهم وشرف نفوسهم الجاهل بهم أغنياء غير محتاجين فقال تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) لا (١) يسألون الناس مجرد (٢) سؤال فضلا عن أن يلحّوا ويلحفوا. ثم في نهاية الآية أعاد تعالى وعده الكريم بالمجازاة على ما ينفق في سبيله فقال : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) ولازمه أن يثيبكم عليه أحسن ثواب فأبشروا واطمئنوا.
وأما الآية الثالثة (٢٧٤) فهي آخر آيات الدعوة إلى الانفاق جاءت تحمل أعظم بشر للمنفقين في كل أحوالهم بالليل والنهار سرّا وعلانية بأن أجر نفقاتهم مدخر لهم عند ربهم يتسلمونه يوم يلقونه ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والبرزخ والآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع لا الزكاة فإنها حق (٣) المؤمنين.
__________________
(١) متى تحل المسألة؟ قال أحمد : إذا لم يكن للمرء ما يغديه ويعشيه جاز له السؤال ، وقال : لا يسأل الرجل لغيره ، ولكن يقول لغيره تصدقوا لقوله صلىاللهعليهوسلم : «اشفعوا تؤجروا».
(٢) أي لا يسألون بإلحاح ولا بدونه فهم لا يسألون غيرهم البتة.
(٣) شاهده قوله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم» وشاهده في الصحيح «خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم».