معنى الآيتين :
لما حث الله على الصدقات وواعد عليها بعظيم الأجر ومضاعفة الثواب ذكر المرابين الذين يضاعفون مكاسبهم المالية بالربا وهم بذلك يسدّون طرق البر ، ويصدون عن سبيل المعروف فبدل أن ينموا أموالهم بالصدقات نموها بالربويات ، فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم يقومون ، ويقعدون ، ويغفون (١) ويصرعون ، حالهم حال من يصرع في الدنيا بمس الجنون ، علامة يعرفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم قال تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) ، وذكر تعالى سبب هذه النقمة عليهم فقال (ذلِكَ) أي أصابهم ذلك الخزي والعذاب بأنهم ردّوا علينا حكمنا بتحريم الربا وقالوا انما البيع مثل الربا ، إذ الربا الزيادة في نهاية الأجل ، والبيع في أوله ، ورد تعالى عليهم فقال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ (٢) وَحَرَّمَ الرِّبا) فما دام قد حرم الربا فلا معنى للاعتراض ، ونسوا أن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلو وترخص ، وهي جارية على قانون الإذن في التجارة ، وأما الزيادة في آخر البيع فهي زيادة في الوقت فقط. ثم قال تعالى مبّينا لعباده سبيل النجاة محذرا من طريق الهلاك : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وهي تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى عنه فله ما سلف قبل معرفته للتحريم ، أو قبل توبته منه ، وأمره بعد ذلك إلى الله إن شاء ثبته على التوبة فنجاه ، وإن شاء خذله لسوء عمله ، وفساد نيّته فأهلكه وأرداه وهذا معنى قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). أخبر تعالى أنه بعدله يمحق (٣) الربا ، وبفضله يربي الصدقات ، وأنه لا يحب كل كفار لشرع الله وحدوده ، أثيم بغشيانه الذنوب وارتكابه المعاصي. كان هذا معنى الآية الأولى (٢٧٥) أما الآية الثانية (٢٧٦) فهي وعد رباني صادق وبشرى الهية سارة لكل من آمن وعمل صالحا وأقام الصلاة على الوجه الذي تقام به وآتى الزكاة بأنّ له أجره واف عند ربّه يتسلمه يوم الحاجة إليه في عرصات القيامة وأنه لا يخاف مما يستقبله في الحياة الدنيا والآخرة ولا يحزن أيضا في الدنيا ولا في الآخرة.
__________________
(١) قال ابن عطية : وأمّا ألفاظ الآية فيحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام المجنون لأن الطمع والرغبة تستفزّه حتى تضطرب أعضاؤه كما يقوم المسرع في مشيه يخلط في هيئة حركاته حتى يقال : قد جنّ هذا ، ولكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود إذ كان يقرأ لا يقومون يوم القيامة مع تظافر أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل.
(٢) في هذا دليل على أنه لا قياس مع ، النص ، فالمشركون قاسوا الربا على البيع فأبطل الله قياسهم لأنّ الربا حرام فلا يقاس على البيع الحلال.
(٣) روى ابن مسعود أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل» أي إلى قلة ونقصان.