من الباطل شيء فآياته كلها مثبتة للألوهية لله نافية لها عما سواه ، فكيف يكون المسيح إلها مع الله أو يكون هو الله ، أو ابن الله كما يزعم نصارى نجران وغيرهم من نصارى اليونان والرومان وغيرهم نزله مصدقا لما بين يديه من الكتب التى سبقته لا يخالفها ولا يتناقض معها فدل ذلك أنه وحى الله ، وأنزل من قبله التوراة والإنجيل هدى للناس وأنزل الفرقان (١) ففرق به بين الحق والباطل في كل ما يلبس أمره على الناس فتبين أن الرب الخالق الرازق المدبر للحياة المحييى المميت الحى الذى لا يموت هو الإله الحق وما عداه مربوب مخلوق لا حق له في الألوهية والعبادة وإن شفى مريضا أو أنطق أبكم أو أحيا ميتا بإذن الله تعالى فإن ذلك لا يؤهله لأن يكون إلها مع الله كعيسى بن مريم عليهالسلام فإن ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء بعض الموتى كان بقدرة الله وإذنه بذلك لعيسى وإلا لما قدر على شيء من ذلك شأنه شأن كل عباد الله تعالى ، ولما رد الوفد ما حاجهم به الرسول وأقام به الحجة عليهم تأكد بذلك كفرهم فتوعدهم الرب تعالى بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ (٢) شَدِيدٌ ، وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) وهذا وعيد شديد لكل من كذب بآيات الله وجحد بالحق الذى تحمّله من توحيد الله تعالى ووجوب طاعته وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) فلو كان هناك من يستحق الألوهية معه لعلمه وأخبر عنه ، كما قرر بهذه الجملة أن عزته تعالى لا ترام وأنه على الانتقام من أهل الكفر به لقدير. وذكر دليلا آخر على بطلان ألوهية المسيح فقال : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) (٣) وعيسى عليهالسلام قد صوّر في رحم مريم فهو قطعا ممن صور الله تعالى فكيف يكون إذا إلها مع الله أو إبنا لله كما يزعم النصارى؟ وهنا قرر الحقيقة فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فالعزّة التى لا ترام والحكمة التى لا تخطىء هما مقتضيات ألوهيته الحقة التى لا يجادل فيها إلا مكابر ولا يجاحد فيها إلا معاند كوفد نصارى نجران ومن على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.
__________________
(١) الفرقان وإن أطلق على القرآن لكونه فرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد فإنه يطلق على كل ما يفرق بين الهدى والضلال كالمعجزات ، وما يحصل للمؤمن المتقي من نور يفرّق بين الضار والنافع ، والخطأ والصواب.
(٢) التنوين في عذاب : للتفخيم ، والشديد هو الذي لا يقادر قدره.
(٣) أي من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر ، وعاهة وسلامة وسعادة وشقاء.