والحروب وضياع الدين البغي والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية والدنيوية لها دون غيرها ، وبذلك يفسد أمر الدين والدنيا ، وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون (١) بعد القرون المفضلة أيضا ، والتاريخ شاهد. ثم قال تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي عليه ذنوب كفره وسيآت عصيانه ويحاسبه بها ويجزيه وإنه لسريع الحساب لأنه لا يشغله شيء عن آخر ولا يعييه إحصاء ولا عدد ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلا له فإن حاجوك يريد وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعيا إياهم إلى الإسلام الذي عرفوه وأنكروه حفاظا على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهم : (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) أيضا أسلم وجهه لله فليس فينا شيء لغير الله وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها لله فأسلموا (٢) أنتم يا أهل الكتاب ويا أميّون (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) وإن تولوا وأعرضوا فلا يضرك إعراضهم ، إذ ما كلفت إلا البلاغ وقد بلغت ، أما الحساب والجزاء فهو إلى الله تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم وسوف يجزيهم بعلمه ويقضى بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلا لذلك بأن كان مسلما عدلا.
٢ ـ شهادة الله أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم.
٣ ـ بطلان كل دين بعد الإسلام وكل ملة غير ملته لشهادة الله تعالى بذلك وقوله : (.. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) الآية (٨٥) من هذه السورة والآتي تفسيرها إن شاء الله تعالى.
٤ ـ الخلاف بين أهل العلم والدين يتم عند ما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في
__________________
(١) وما زال المسلمون متفرّقين إلى اليوم بل تفرقهم اليوم أسوأ من الأوّل ودولهم دويلات وشريعتهم التي يسوسون بها الأمة المسلمة شرائع.
(٢) روى محمد بن اسحق أن وفد نجران لما دخلوا مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم تكلم منهم السيد والعاقب فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أسلما» قالا : قد أسلمنا قبلك فرد عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب».