(الْمُمْتَرِينَ) : الشاكين ، إذ الامتراء : الشك.
(حَاجَّكَ) : جادلك بالحجج.
(نَبْتَهِلْ) : نلتعن أي نلعن الكاذب منا.
(الْقَصَصُ الْحَقُ) : ما قصه الله تعالى هو القصص الحق الثابت الذى لا شك فيه.
المفسدون : الذين يعملون بمعاصي الله تعالى في الأرض من الشرك وكبائر الذنوب.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تقرير عبوديّة عيسى ورسالته دون ربوبيّته وألوهيته ، فقد روي أن وفد نجران قالوا للرسول صلىاللهعليهوسلم فيما قالوا : كل آدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله تعالى على رسوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) فإذا هو كائن فأيّ داع لاتخاذ عيسى إلها ، ألكونه خلقه الله من غير أب فآدم كذلك خلق بدون أب ولا أم ، وإنما كان بكلمة الله ، فكذلك عيسى خلق بكلمة الله التي هي «كن» فكان ، هذا هو الحق الثابت من الله تعالى في شأن عيسى عليهالسلام فلا تكونن من الشاكين فيه ، وحاشاه صلىاللهعليهوسلم أن يشك (١). ولما أكثروا عليه صلىاللهعليهوسلم من التردد والمجادلة أرشده ربه تعالى إلى طريق التخلص منهم وهو المباهلة بأن يجتمعوا ويقول كل فريق : اللهم العن الكاذب منا ، ومن كان كاذبا منهم يهلك على الفور فقال له ربّه تعالى : فإن حاجوك (فَقُلْ : تَعالَوْا ..) (هلموا) (نَدْعُ أَبْناءَنا) (٢) (وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) وخرج في الغد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم (٣) أجمعين إلا أن النصارى عرفوا الحق وخافوا إن لا عنوا هلكوا فهربوا (٤) من الملاعنة ، ودعاهم الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام فأبوا ورضوا بالكفر إبقاء على زعامتهم ودنياهم ورضوا بالمصالحة فالتزموا بأداء الجزية للمسلمين والبقاء على دينهم الباطل. ثم قال تعالى (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ (٥) الْحَقُ) بالذي قصصناه عليك في شأن عيسى عليهالسلام ، وإنه عبد الله ورسوله وكلمته
__________________
(١) إنّ الخطاب وإن كان موجها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فإن المراد غيره من سائر الناس الذين يتأتىّ لهم الشك أمّا هو فإنه المعصوم مما هو أقل من الشك الذي هو كفر.
(٢) في هذا دليل على أن أبناء البنات يطلق عليهم أبناء ويسمون بذلك.
(٣) أنه قال لهم أي لعليّ وفاطمة والحسن والحسين «إن أنا دعوت فأمنوا» أي قولوا بعدي آمين.
(٤) في هروب نصارى نجران (وهم علماء) من الملاعنة دليل قاطع على أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول الله وأنّ دينه هو الدين الحق وما عداه باطل.
(٥) القصص اسم لما يقصّ وهو الإخبار بما فيه طول وتفصيل ، مشتق من قص الأثر إذا تتبعه.