وتولوا عنه فقولوا أيها المؤمنون : اشهدوا أيها المتولون عن الحق بأنا مسلمون. وفي هذا تعريض بل تصريح بأن غيرهم ليسوا مسلمين.
هذا معنى الآية الأولى (٦٤) أما الآية الثانية (٦٥) فيأمر تعالى رسوله أيضا أن يقول للمتولين عن الحق يا أهل الكتاب لم تحاجون في شأن إبراهيم وتدّعي كل طائفة منكم أن إبراهيم كان على دينها مع أن اليهودية ما كانت إلا بعد نزول التوراة ، والنصرانية ما كانت إلا بعد نزول الإنجيل ، وإبراهيم كان قبل نزول الكتابين بمئات السنين ، ما لكم تقولون بما لا يقبل ولا يعقل أفلا تعقلون؟ ثم وبخهم بما هم أهله قائلا لهم : اسمعوا يا هؤلاء أنتم جادلتم فيما لكم به علم في شأن دينكم وكتابكم فلم تجادلون فيما ليس لكم به علم في شأن إبراهيم وملته الحنيفية التي قامت على مبدء التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ، والله يعلم من شأن إبراهيم ودينه مالا تعلمون أنتم فليس من حقكم القول فيما لا تعلمونه. ثم أكذبهم بعد أن وبخهم فقال ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا وإنما كان حنيفا موّحدا مطيعا لربه مسلما له ولم يكن من المشركين. وبعد أن وبخ تعالى المجادلين لرسوله وكذبهم في دعواهم أن إبراهيم على دينهم قرر حقيقة كبرى ينبغي أن يعلموها ويقرّوا بها وهي أن أحق (١) الناس بالنسبة الى إبراهيم والانتماء اليه هم الذين اتبعوه على ملة التوحيد وعبادة الله تعالى بما شرع وهذا النبي الكريم العظيم محمد صلىاللهعليهوسلم والذين آمنوا معه واتبعوا الهدى الذي جاء به ، والله تعالى وليّ المؤمنين ، وعدو الكافرين والمشركين.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ لا يصلح حال البشرية ولا يستقيم أمرها إلا إذا أخذت بمبدأ : الكلمة السواء وهي أن تعبد ربها وحده لا تشرك به سواه ، وأن لا يعلو بعضها على بعض تحت أيّ قانون أو شعار.
٢ ـ حجيّة التاريخ وبيان الحاجة إليه ، إذ رد الله تعالى على أهل الكتاب في دعواهم أن إبراهيم كان على دينهم بأن التوراة والإنجيل لم ينزلا الا بعد وفاته فكيف يكون يهوديا أو نصرانيا.
__________________
(١) روي أنّ ابن عباس قال : قال رؤساء اليهود والله يا محمد لقد علمت أنّا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك فإنّه كان يهوديّا وما بك إلّا الحسد فأنزل الله تعالى هذه الآية (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا) إلى قوله (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).