يخاف غير الله تعالى. قال تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ (١) كانَ آمِناً) ثم هذا الأمن له والعرب يعيشون في جاهلية جهلاء وفوضى لا حد لها ، ولكن الله جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب أمن كل من يدخله ليحجه أو يعتمره ، وقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ (٢) سَبِيلاً) ، لمّا ذكر تعالى البيت الحرام وما فيه من بركات وهدايات وآيات ألزم عباده المؤمنين به وبرسوله بحجه ليحصل لهم الخير والبركة والهداية ، ففرضه بصيغة ولله على الناس وهي أبلغ صيغ الإيجاب ، واستثنى العاجزين عن حجه واعتماره بسبب مرض أو خوف أو قلة نفقة للركوب والإنفاق على النفس والأهل أيام السفر.
وقوله تعالى في آخر الآية : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فإنه خبر منه تعالى بأن من كفر بالله ورسوله وحج بيته بعد ما ذكر من الآيات والدلائل الواضحات فإنه لا يضر إلا نفسه أما الله تعالى فلا يضره شيء وكيف وهو القاهر فوق عباده والغنى عنهم أجمعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ ثبوت النسخ في الشرائع الإلهية ، إذ حرم الله تعالى على اليهود بعض ما كان حلا لهم.
٢ ـ إبطال دعوى اليهود أن إبراهيم كان محرما عليه لحوم الإبل وألبانها.
٣ ـ تقرير النبوة المحمدية بتحدي اليهود وعجزهم عن دفع الحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم.
٤ ـ البيت الحرام كان قبل بيت المقدس وأن البيت الحرام أول بيت وضع للتعبد بالطواف به
٥ ـ مشروعية طلب البركة بزيارة البيت وحجه والطواف به والتعبد حوله.
٦ ـ وجوب الحج على الفور (٣) لمن لم يكن له مانع يمنعه من ذلك.
٧ ـ الإشارة إلى كفر من يترك الحج وهو قادر عليه ، ولا مانع يمنعه منه غير (٤) عدم المبالاة.
__________________
(١) صورة اللفظ خبر ومعناه الإنشاء أي الأمر بمعنى : فمن دخله فأمنوه هكذا قال بعضهم. ولا منافاة بين القولين فإن الحرم كان آمنا في عهد الجاهلية قرونا بما ألقى الله في قلوب العرب من حرمة الحرم ، إنّ بيت المقدس تسلط عليه الجبابرة فخرّبوه غير مرّة ومكة ردّ الله الطغاة عنها.
(٢) تواردت طرق حديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن السبيل في قوله تعالى : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فقال : «الزاد والراحلة» وهو كذلك.
(٣) مما يدل على فورية الحج إذا توفرت النفقة وأمن الطريق وزالت الموانع قوله صلىاللهعليهوسلم «تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد ، فما دمنا مأمورين بالتعجل كان الفور ألزم والتراخي أبعد ، والله أعلم وأعزّ وأحكم.
(٤) الإجماع على أنّ الحج مرّة واحدة في العمر لقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا ، ولو قلت نعم لوجبت» إذ سأل سائل قائلا : أفي كل عام يا رسول الله. وذلك لمّا نزلت : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...) ومما يؤكد فرضيته وهي مؤكدة بخطاب الله تعالى : أن عمر رضي الله عنه قال : من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا. قال ابن كثير اسناده صحيح.