(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) : هذه آياتنا نقرأها عليك متلبسة بالحق ، لا باطل فيها أبدا.
(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) : إلى الله تصير الأمور فيقضي فيها بما يشاء ويحكم ما يريد فضلا وعدلا.
معنى الآيات :
بعد ما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه والتمسك بدينه ونهاهم عن الفرقة والاختلاف وحضهم على ذكر نعمه ليشكروها بطاعته أمرهم في هذه الآية (١٠٤) بأن يوجدوا من أنفسهم جماعة تدعو إلى الإسلام وذلك بعرضه على الأمم والشعوب ودعوتهم إلى الدخول فيه ، كما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار الإسلام وبين أهله فقال تعالى مخاطبا إياهم : ولتكن منكم (١) أي يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير أي الإسلام ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وبشرهم بأن الأمة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والآخرة فقال : فأولئك هم المفلحون الفائزون بالنجاة من العار والنار ، وبدخول الجنة مع الأبرار.
وفي الآيات (١٠٥) (١٠٦) (١٠٧) نهاهم أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في التفرق في السياسة والاختلاف في الدين فيهلكوا هلاكهم فقال تعالى : مخاطبا إياهم : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) فلا ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع الله سببا في الفرقة والخلاف (٢) ، وهما أداة الوحدة والائتلاف ، وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب ليعتبروا فلا يختلفوا ولا يتفرقوا فقال تعالى : وأولئك لهم عذاب عظيم لا يقادر قدره ولا يعرف مداه ، وأخبرهم عن موعد حلول هذا العذاب العظيم بهم وأنه يوم القيامة حينما تبيض وجوه المؤمنين المؤتلفين القائمين على الكتاب والسنة ، وتسود وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والأهواء ، فقال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ (٣)
__________________
(١) من للتبعيض وعليه فسرنا الآية وقلنا بوجود طائفة لا كل الأمّة إذ لا بد من العلم لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، والعلم لا يتوفر لكل فرد أبدا ولذا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية.
(٢) نهاهم تعالى عن التفرق والاختلاف وقد وقع ما نهاهم عنه وثبت ما أخبر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد قال : «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفرقت أمتى على ثلاث وسبعين فرقة» رواه الترمذي وقال : هذا حديث صحيح وفعلا فقد وجدت ست فرق وهي : الحرورية ـ والقدرية ـ والجهمية ـ والمرجئة ـ والرافضة ـ والجبرية. انقسمت كل فرقة من هذه إلى اثنتى عشرة فرقة فصارت اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلّا أهل السنة والجماعة.
(٣) روى ابن القاسم عن مالك في العتبية أنه قال ما آية في كتاب الله أشدّ على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ..) قال مالك : انما هذه الآية لأهل القبلة بدليل قوله تعالى : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ...).