(مَثَلُ) : أي صفة وحال ما ينفقونه لإبطال دعوة الإسلام ، أو للتصدق به.
الصر (١) : الريح الباردة الشديدة البرد التي تقتل الزرع وتفسده.
الحرث : ما تحرث له الأرض وهو الزرع.
(ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلاك والخسار.
معنى الآيتين :
لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال ذكر هنا في هاتين الآيتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابيين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب ليهتدي من هيأه الله تعالى للهداية فقال : إن الذين كفروا أي كذبوا الله ورسوله فلم يؤمنوا ولم يوحّدوا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم (٢) أي في الدنيا والأخرة مما أراد الله تعالى بهم شيئا من الإغناء ، لأن الله تعالى غالب على أمره عزيز ذو انتقام ، وقوله تعالى : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). فيه بيان حكم الله تعالى فيهم وهو أن أولئك البعداء في الكفر والضلال المتوغلين في الشر والفساد هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها لا يفارقونها أبدا ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرون بها ، ولا أولادهم الذين كانوا يعتزون بهم ويستنصرون ، إذ يوم القيامة لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم : سليم من الشك والشرك والكبر والعجب والنفاق.
هذا ما تضمنته الآية : (١١٦) أما الآية (١١٧) فقد ضرب تعالى فيها مثلا لبطلان نفقات الكفار والمشركين وأعمالهم التي يرون أنها نافعة لهم في الدنيا والآخرة ضرب لها مثلا : ريحا باردة شديدة البرودة أصابت زرع أناس كاد يحصدوهم به فرحون وفيه مؤملون فأفسدته تلك الريح وقضت عليه نهائيا فلم ينتفعوا بشيء منه ، قال تعالى في هذا المثل : مثل ما ينفقون ـ أي أولئك الكفار في هذه الحياة الدنيا أي مما يرونه نافعا لهم من بعض أنواع البر. كمثل ريح فيها صرّ (٣) أي برد شديد أصابت ـ أي تلك الريح الباردة حرث قوم أي زرعهم النابت
__________________
(١) الصر : مأخوذ من الصرير الذي هو الصوت وفي الحديث : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أكل الجراد الذي قتله الصرّ» أي البرد الشديد.
(٢) كرّر حرف النفي (وَلا أَوْلادُهُمْ) لتأكيد عدم إغناء الأولاد عنهم شيئا مع أن العرف أن الأولاد يذبون عن أبائهم ويدفعون عنهم.
(٣) (فِيها صِرٌّ) هذا التعبير أفاد شدّة برد هذه الريح إذ جعل الصرّ مظروفا فيها.