يسوءهم أن يروا المسلمين متآلفين متحابين أقوياء ظاهرين منصورين على أهل الشرك والكفر ، ويسرهم أيضا أن يروا المسلمين مختلفين أو ضعفاء منكسرين مغلوبين. فقال تعالى ـ وقوله الحق ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلىاللهعليهوسلم نبيّا ورسولا. (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) أي أفرادا من دونكم (١) أي من غير أهل دينكم ، كاليهود والنصارى والمنافقين والمشركين تستشيرونهم وتطلعونهم على أسراركم وبواطن أموركم ، ووصفهم تعالى تعريفا بهم فقال : (لا يَأْلُونَكُمْ (٢) خَبالاً) يعني لا يقصرون في إفساد أموركم الدينية والدنيوية.
(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) أي أحبوا عنتكم ومشقتكم ، فلذا هم لا يشيرون عليكم إلا بما يفسد عليكم أموركم ويسبب لكم الكوارث والمصائب في حياتكم وقوله تعالى (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) وصف آخر مشخص لهؤلاء الأعداء المحرم اتخاذهم بطانة ، ألا وهو ظهور البغضاء من أفواههم (٣) بما تنطق به ألسنتهم من كلمات الكفر والعداء للإسلام وأهله ، وما يخفونه من ذلك في صدورهم (٤) هو أكبر مما يتفلت من ألسنتهم. ويؤكد عزوجل تحذيره للمؤمنين فيقول : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) المتضمنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي الخطاب وما يتلى عليكم ويقال لكم. ثم يقول تعالى معلما محذرا ها أنتم أيها المسلمون تحبونهم ولا يحبونكم. قد علم الله أن من بين المؤمنين من يحب بعض الكافرين لعلاقة الإحسان الظاهرة بينهم فأخبر تعالى عن هؤلاء كما أن رحمة المؤمن وشفقته قد تتعدى حتى لأعدائه فلذا ذكر تعالى هذا وأخبر به وهو الحق ، وقال : (تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي وهم لا يؤمنون بكتابكم فانظروا إلى الفرق بينكم وبينهم فكيف إذا تتخذونهم بطانة تفضون إليهم بأسراركم. وأخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا لقوا المؤمنين قالوا إنا مؤمنون وإذا انفردوا عنهم وخلوا بأنفسهم ذكروهم وتغيظوا عليهم حتى يعضوا
__________________
(١) قيل لعمر رضي الله عنه إنّ ها هنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم أفلا يكتب عنك؟ فقال : لا آخذ بطانة من دون المؤمنين. وجاء أبو موسى الأشعري بحسّاب نصارى لعمر فانتهره وقال : لا تدنهم ، وقد أقصاهم الله ، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله ، ولا تأمنهم وقد خونهم الله.
(٢) هذه الجملة وإن كانت صفة لكلمة بطانة ، فهي في معنى العلّة للنهي السابق.
(٣) خصت الأفواه بالذكر دون الألسن : إشارة إلى أنهم يتشدّقون بالكلام إيهاما وتضليلا.
(٤) استدل أهل العلم بهذه الآية على أنّ شهادة العدو لا تصح على عدوه وكيف به إذا كان كافرا؟.