أطراف أصابعهم (١) من شدة الغيظ. فقال تعالى (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ) (٢) (مِنَ الْغَيْظِ) وهنا أمر رسوله أن يدعو عليهم بالهلاك فقال له : قل يا رسولنا لهم (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فلذا أخبر عنهم كاشفا الغطاء عما تكنه نفوسهم ويخفونه في صدورهم.
هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (١١٨) والثانية (١١٩) وأما الآية الثالثة (١٢٠) فقد تضمنت أيضا بيان صفة نفسيّة للكافرين المنهى عن اتخاذهم بطانة وهو استياؤهم وتألمهم لما يرونه من حسن حال المسلمين كإتلافهم واجتماع كلمتهم ونصرهم وعزتهم وقوتهم وسعة رزقهم ، كما هو أيضا فرحهم وسرورهم بما قد يشاهدونه من خلاف بين المسلمين أو وقوع هزيمة لجيش من جيوشهم ، أو تغير حال عليهم بما يضر ولا يسر وهذه نهاية العداوة وشدة البغضاء فهل مثل هؤلاء يتخذون أولياء؟ اللهم لا. فقال تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) (٣) (تَسُؤْهُمْ ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها). ولما وصف تعالى هؤلاء الكفرة بصفات مهيلة مخيفة قال لعباده المؤمنين مبعدا الخوف عنهم : وإن تصبروا على ما يصيبكم وتتقوا الله تعالى في أمره ونهيه وفي سننه في خلقه لا يضركم (٤) كيدهم شيئا ، لأن الله تعالى وليّكم مطلع على تحركاتهم وسائر تصرفاتهم وسيحبطها كلها ، دل على هذا المعنى قوله في الجملة التذيلية (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ حرمة اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامّة وحرمة إطلاعهم على أسرار الدولة الإسلامية ، والأمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم لما في ذلك من الضرر الكبير.
٢ ـ بيان رحمة المؤمنين وفضلهم على الكافرين.
٣ ـ بيان نفسيات الكافرين وما يحملونه من إرادة الشر والفساد للمسلمين.
٤ ـ الوقاية من كيد الكفار ومكرهم تكمن في الصبر والتجلد وعدم إظهار الخوف للكافرين
__________________
(١) العض : مصدر عضّ يعضّ عضّا وعضيضا إذا أخذ الشيء بأسنانه والعض بضم العين علف الدواب.
(٢) الأنامل : جمع أنملة وهي طرف الأصبع الأعلى.
(٣) هذا من شدة حسدهم للمسلمين ولقد أحسن من قال : كل العداوة قد ترجى إفاقتها* إلّا عداوة من عاداك من حسد
(٤) قرىء (لا يَضُرُّكُمْ) من ضاره يضيره ضيرا ، ومنه قوله تعالى : (لا ضَيْرَ) والضير والضرر بمعنى واحد.