(مَنَ) : أنعم وتفضل.
(رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : هو محمد صلىاللهعليهوسلم.
(يُزَكِّيهِمْ) : بما يرشدهم إليه من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية.
(الْحِكْمَةَ) : كل قول صالح نافع أبدا ومنه السنة النبوية.
معنى الآيات :
الغل والغلول (١) والاغلال بمعنى واحد وهو أخذ المرء شيئا من الغنائم قبل قسمتها وما دام السياق في غزوة أحد فالمناسبة قائمة بين الآيات السابقة وهذه ، ففي الآية الأولى (١٦١) ينفى تعالى أن يكون من شأن الأنبياء أو مما يتأتى صدوره عنهم الإغلال وضمن تلك أن أتباع الأنبياء يحرم عليهم أن يغلوا ، ولذا قرىء في السبع أن يغل بضم (٢) الياء وفتح الغين أي يفعله اتباعه بأخذهم من الغنائم بدون إذنه. هذا معنى قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) ثم ذكر تعالى جزاء وعقوبة من يفعل وقال : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) فأخبرهم تعالى أن من أغل شيئا يأت به يوم القيامة يحمله حتى البقرة والشاة كما يبين ذلك في الحديث (٣) ، ثم يحاسب عليه كغيره ويجزى به ، كما تجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر ولا تظلم نفس شيئا لغنى الرب تعالى عن الظلم وعدله. هذا مضمون الآية الأولى أما الثانية (١٦٢) ينفي تعالى أن تكون حال المتبع لرضوان الله تعالى بالإيمان به ورسوله وطاعتهما بفعل الأمر واجتناب النهى ، كحال المتبع لسخط الله تعالى بتكذيبه تعالى وتكذيب رسوله ومعصيتهما بترك الواجبات وفعل المحرمات فكانت جهنم مأواه ، وبئس المصير جهنم. هذا معنى قوله تعالى (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ ، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ثم ذكر تعالى أن كلا من
__________________
(١) سمي الغلول غلولا : لأنّ الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة كأنّ فيها غلا وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه.
(٢) فتح الياء قراءة حفص وهي ردّ على من تصور أنّ النبي في إمكانه أن يأخذ شيئا من الغنيمة قبل قسمتها فأخبر تعالى أنّه من غير الممكن أن يغل النبي لعصمة الله تعالى لأنبيائه ، وقراءة الضمّ قراءة نافع وهي تحرّم على أتباع النبي الغلول بصيغة بليغة إذ تجعل غلولهم من قبيل المتعذّر الذي لا يحدث.
(٣) في صحيح مسلم أنّ أبا هريرة قال : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه ، وعظم أمره ثم قال : «لا ألفيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أعنى فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك .. ثم ذكر الفرس والشاة والنفس والرقاع» الرّقاع : جمع رقعة ، وهي ما يكتب عليها.