أهل الرضوان ، وأصحاب السخط متفاوتون في درجاتهم (١) عند الله ، بحسب أثر أعمالهم في نفوسهم قوة وضعفا فقال : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) ، فدل ذلك على عدالة العليم الحكيم. هذا ما دلت عليه الآية (١٦٣) أما الآية الأخيرة (١٦٤) فقد تضمنت امتنان الله تعالى على المؤمنين من العرب ببعثه رسوله فيهم ، يتلو عليهم آيات الله فيؤمنون ويكملون في إيمانهم ويزكيهم من أوضار الشرك وظلمة الكفر بما يهديهم به ، ويدعوهم إليه من الإيمان وصالح الأعمال وفاضل الأخلاق وسامى الآداب ، ويعلمهم الكتاب المتضمن للشرائع والهدايات والحكمة التى هى فهم أسرار الكتاب ، والسنة ، وتتجلى هذه النعمة أكثر لمن يذكر حال العرب في جاهليتهم قبل هذه النعمة العظيمة عليهم هذا معنى قوله تعالى في الآية الأخيرة : (لَقَدْ مَنَ (٢) اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٣) (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تحريم (٤) الغلول وأنه من كبائر الذنوب (٥).
٢ ـ طلب رضوان الله واجب ، وتجنب سخطه واجب كذلك ، والأول يكون بالإيمان وصالح الأعمال والثاني يكون بترك الشرك والمعاصي.
٣ ـ الاسلام أكبر نعمة وأجلها على المسلمين فيجب شكرها بالعمل به والتقيد بشرائعه وأحكامه.
٤ ـ فضل العلم بالكتاب والسنة.
__________________
(١) المشهور أنّ أهل النار في دركات متفاوتة كما أنّ أهل الجنة في درجات متفاوتة فالدرجة ما أريد بها الارتفاع والدركة ما أريد بها السفول والهبوط.
(٢) من هنا بمعنى أسدى النعمة للمؤمنين ببعثة الرسول فيهم وليس هو من المنّ المذموم الذي هو تعداد النعمة إلّا أن الله تعالى له أن يمنّ وهو أمنّ من كل من منّ وأعطى.
(٣) قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هذه للعرب خاصة : إذ فهمت من كلمة (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أنها تعني من جنسهم العربي ، وبعضهم يرى العموم فيها لكل مؤمن ومؤمنة ، وهو كذلك إذ هو بشر مثلهم.
(٤) شاهده قوله صلىاللهعليهوسلم في الذي غلّ الشملة يوم خيبر : «والذي نفسي بيده إنّ الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا» ولمّا سمع هذا الوعيد أحد الأصحاب جاء بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «شراك أو شراكين من نار» رواه مالك في الموطأ.
(٥) الإجماع على أنّ الغال لا تقطع يده ولكن يعزر ، والغلول لا يكون إلّا في الغنائم وسمى الرسول صلىاللهعليهوسلم هدايا العمال غلولا ويفضحون بها يوم القيامة لحديث مسلم في قصة ابن اللتبية.