معنى الآيات :
ما زال السياق في أحداث غزوة أحد وما لابسها من أمور وأحوال والآيات الأربع كلها في المؤمنين الذين حضروا غزوة أحد يوم السبت وخرجوا في طلب أبى سفيان يوم الأحد وعلى رأسهم نبيهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى أن يرفع معنويات أصحابه الذين كلموا وهزموا يوم السبت بأحد ، وأن يرهب أعداءه فأمر مؤذنا يؤذن بالخروج في طلب أبى سفيان وجيشه ، فاستجاب المؤمنون وخرجوا وإن منهم للمكلوم المجروح ، وإن أخوين جريجين كان أحدهما يحمل أخاه على ظهره فاذا تعب وضعه فمشى قليلا ، ثم حمله حتى انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى حمراء الأسد ، وألقى الله تعالى الرعب في قلب أبى سفيان فارتحل هاربا الى مكة ، وقد حدث هنا أن معبدا الخزاعى (١) مر بمعسكر أبي سفيان فسأله عن الرسول فأخبره أنه خرج في طلبكم وخرج معه جيش كبير وكلهم تغيظ عليكم ، أنصح لك أن ترحل فهرب برجاله خوفا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فأقام الرسول صلىاللهعليهوسلم بحمراء الأسد برجاله كذا ليلة ثم عادوا لم يمسسهم سوء وفيهم نزلت هذه الآيات الأربع وهذا نصها :
الآية (١٧٢) (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) يريد في أحد واستجابوا : لبوا نداء الرسول صلىاللهعليهوسلم وخرجوا معه في ملاحقة أبى سفيان ، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) ولكل من أحسن واتقى أجر عظيم ، ألا وهو الجنة الآية الثانية (١٧٣) (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ (٢) إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ). المراد من الناس القائلين هم نفر من عبد القيس مروا بأبي سفيان وهو عازم على العودة الى المدينة لتصفية المؤمنين بها في نظره فقال له أبو سفيان أخبر محمدا وأصحابه أنى ندمت على تركهم أحياء بعدما انتصرت عليهم وإنى جامع جيوشي وقادم عليهم ، والمراد من الناس الذين جمعوا هم أبو سفيان فلما بلغ هذا الخبر الرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه زادهم (٣) إيمانا فوق إيمانهم بنصر الله تعالى وولايته لهم ، وقالوا : حسبنا الله أي يكفينا الله شرهم ، ونعم الوكيل الذى يكفينا ما أهمنا
__________________
(١) لأنّ خزاعة كانت حلفاء لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وعيبة نصحه أي موضع سرّه.
(٢) روى البخاري عن ابن عباس أنّه قال في قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) إلى (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) قالها إبراهيم الخليل عليهالسلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلىاللهعليهوسلم حين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم.
(٣) الذي زادهم إيمانا هو قول الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم ، وهل الإيمان يزيد وينقص؟ الخلاف قديم في هذه القضية. والقول الذي تشهد له نصوص الكتاب والسنة هو أنّ الإيمان يقوى ويضعف فإذا قوي زاد عمل المؤمن في الطاعات بفعل الحسنات وترك السيئات وإذا ضعف قلّ عمله الصالح وزاد عمله الصالح فيستدل على الإيمان قوة وضعفا بمتعلّقه وهو الطاعة والمعصية.