(وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : اعتاضوا عنه حطام الدنيا ومتاعها الزائل اذ كتموه ، ابقاء على منافعهم الدنيوية.
(أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) : أي يثنى عليهم ويذكروا بخير وهم لم يفعلوا ما يوجب لهم ذلك.
(بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) : بمنجاة من العذاب في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب أليم.
معنى الآيات :
ما زال السياق في اليهود فيقول تعالى لنبيه ، واذكر لهم إذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى أخذ على علمائهم العهد المؤكد بأن يبينوا للناس نعوت النبي صلىاللهعليهوسلم في كتابهم ، وأن يؤمنوا به ويتابعوه على ما جاء به من الهدى ودين الحق وهو الإسلام ، ولكنهم كتموه ونبذوه وراء ظهورهم فلم يلتفتوا إليه واستبدلوا بذلك ثمنا قليلا وهو الجاه والمنصب والمال قال تعالى : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) وذم الله تعالى ذلك الثمن القليل فقال فبئس ما يشترون هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٨٧) وأما الآية الثانية (١٨٨) (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا (١) بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). فإن الله تعالى يقول لرسوله صلىاللهعليهوسلم لا تحسبن يا رسولنا الذين يفرحون بما اتوا من الشر والفساد بتحريف كلامنا وتبديل اوامرنا وتغيير شرائعنا وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس أي يشكروهم ويثنوا عليهم ، ما لم يفعلوا من الخير والإصلاح إذ عملهم كان العكس وهو الشر والفساد فهؤلاء من اليهود ولا تحسبنهم بمفازة أي بمنجاة من العذاب ، ولهم عذاب أليم يوم القيامة. وأما الآية الثالثة (١٨٩) فقد أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض ، وأنه على كل شيء قدير فدلل بذلك على قدرته على البطش بالقوم والانتقام منهم ، وانه منجز وعيده لهم وهو عذاب الدنيا ، وعذاب الآخرة فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
__________________
(١) روى البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الغزو اعتذروا وحلفوا وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت هذه الآية ، وروي في سبب نزولها الخبر الآتي : إن مروان بعث بأحد رجاله إلى ابن عباس يسأله قائلا : لئن كان كل امرىء منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذّبا لنعذبنّ أجمعين؟ فقال ابن عباس مالكم وهذه إنّما نزلت هذه في أهل الكتاب ثمّ تلا الآية : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ) إلى قوله (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).