(أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) : تحيدوا عن طريق الطهر والصفاء إلى طريق الخبث والكدر بارتكاب المحرمات من المناكح وغيرها فتبتعدوا عن الرشد بعدا عظيما.
(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) : لا يصبر عن النساء ، فلذا رخّص تعالى لهم في الزواج من الفتيات المؤمنات.
معنى الآيات :
لما حرم تعالى ما حرم من المناكح وأباح ما أباح منها علل لذلك بقوله (يُرِيدُ (١) اللهُ) أي بما شرع ليبيّن ما هو نافع لكم مما هو ضار بكم فتأخذوا النافع وتتركوا الضار ، كما يريد أن يهديكم طرائق الصالحين من قبلكم من أنبياء ومؤمنين صالحين لتسلكوها فتكلموا وتسعدوا في الحياتين ، كما يريد بما بين لكم أن (يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يرجع بكم من ضلال الجاهلية إلى هداية الإسلام فتعيشوا على الطهر والصلاح ، وهو تعالى عليم بما ينفعكم ويضركم حكيم في تدبيره لكم فاشكروه بلزوم طاعته ، والبعد عن معصيته.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (٢٦) أما الآية الثانية (٢٧) فقد تضمنت الإخبار بأن الله تعالى يريد بما بيّنه من الحلال والحرام في المناكح وغيرها أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي كانوا يعيشونها قبل الإسلام إلى حياة الطهر والصلاح في ظل تشريع عادل رحيم. وأنّ الذين يتّبعون الشهوات من الزناة واليهود والنصارى وسائر المنحرفين عن سنن الهدى فإنهم يريدون من المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم فينغمسوا في الملاذ والشهوات البهيمية حتى يصبحوا مثلهم لا فضل لهم عليهم ، وحينئذ لا حق لهم في قيادتهم أو هدايتهم.
هذا معنى الآية الثانية أما الثالثة (٢٨) فقد أخبر تعالى أنه بإباحته للمؤمنين العاجزين عن نكاح الحرائر نكاح الفتيات المؤمنات يريد بذلك التخفيف والتيسير (٢) عن المؤمنين رحمة بهم وشفقة عليهم لما يعلم تعالى من ضعف الإنسان وعدم صبره عن النساء بما غرز فيه من غريزة
__________________
(١) سيقت هذه الآية تذييلا لما سبقها لغرض استئناس المسلمين واستنزال نفوسهم إلى امتثال أوامر الله تعالى المتقدمة في أوّل السورة وهي أحكام النكاح والإرث والمعاشرة.
(٢) شاهده الكتاب في قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ومن السنة قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ هذا الدين يسر ولن ويشادّ هذا الدين أحد إلّا غلبه» وقوله لمعاذ وأبي موسى : «يسرا ولا تعسرا» وبذا كان التيسير من أصول الشريعة الإسلامية ، ويشهد لهذا وجود الرخص في مسائل الدين.