الله تعالى في هذه الآية الكريمة (٣٢) عباده المؤمنين عن تمني ما فضل الله تعالى به بعضهم على بعض فأعطى هذا وحرم ذاك لحكم اقتضت ذلك ، ومن أظهرها الابتلاء بالشّكر والصبر ، فقال تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ) ـ من علم أو مال. أو صحة أو جاء أو سلطان ـ (بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) وأخبر تعالى أن سنته في الثواب والعقاب الكسب والعمل فليعمل من أراد الأجر والمثوبة بموجبات ذلك من الإيمان والعمل الصالح ، ولا يتمنى ذلك تمنيا ، وليكف عن الشرك والمعاصي من خاف العذاب والحرمان ولا يتمنى النجاة تمنيا كما على من أراد المال والجاه فليعمل له بسننه المنوطة به ولا يتمنى فقط فإن التمنى كما قيل بضائع النوكى أي الحمقى ، فلذا قال تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) ، فرد القضية إلى سنته فيها وهي كسب الإنسان. كقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ثم بين تعالى سنة أخرى في الحصول على المرغوب وهي دعاء الله تعالى فقال (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فمن سأل ربّه وألح (١) عليه موقنا بالاجابة أعطاه فيوفقه للإتيان بالأسباب ، ويصرف عنه الموانع ، ويعطيه بغير سبب إن شاء ، وهو على كل شىء قدير ، بل ومن الأسباب المشروعة الدعاء والإخلاص فيه.
هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية (٣٣) فإن الله تعالى يخبر مقررا حكما شرعيا قد تقدم في السياق وهو أن لكل من الرجال والنساء ورثة يرثونه إذا مات فقال (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا) (٢) (مَوالِيَ) أي أقارب يرثونه إذا مات ، وذلك من النساء والرجال أما الذين هم موالي بالحلف أو الإخاء فقط أي ليسوا من أولي الأرحام فالواجب إعطاؤهم نصيبهم من النصرة والرفادة. والوصية لهم بشىء إذا لا حظ لهم في الإرث لقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) ، ولما كان توزيع المال وقسمته تتشوق له النفوس وقد يقع فيه حيف أو ظلم أخبر تعالى أنه على كل شىء شهيد فلا يخفى عليه من أمر الناس شىء فليتق ولا يعص.
__________________
(١) لحديث الترمذي وغيره قال صلىاللهعليهوسلم : «سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج» أي من الله تعالى وهو تعلق القلب بالربّ تعالى.
(٢) هذه الآية ناسخة لكل من الإرث بالتحالف والمؤاخاة وهي كقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وأمّا التحالف وهو المقصود بقوله تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) فقد كان الرجل في الجاهلية يقول لمن أراد محالفته : دمي ، دمك ، وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك ، وسلمي سلمك وترثني وأرثك ، وأمّا المؤاخاة فقد كانت بين المهاجرين والأنصار بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتوارثوا بها حتى نسخت بهذه الآية وآية الأنفال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).