فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة الأبرار والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها لمجاورة الأبرار ، ويبعدها عن مجاورة الفجار. وقوله تعالى : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) لأن سنن الله كأحكامه لا يقدر أحد على تغييرها أو تبديلها بل تمضي كما هي فلا ينفع صاحب السوء أحد ، ولا يضر صاحب الحسنات آخر. وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) فإنه تقرير لسنته تعالى في تأثير الكسب على النفس والجزاء بحسب حال النفس زكاة وطهرا وتدسية وخبثا ، فإنه من يعمل الصالحات وهو مؤمن تطهر نفسه ذكرا كان أو أنثى ويتأهل بذلك لدخول الجنة ، ولا يظلم مقدار نقير فضلا عما هو أكثر وأكبر وقوله تعالى : (وَمَنْ (١) أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) إشادة منه تعالى وتفضيل للدين الإسلامي على سائر الأديان إذ هو قائم على أساس إسلام الوجه (٢) لله وكل الجوارح تابعة له تدور في فلك طاعة الله تعالى مع الإحسان الكامل وهو إتقان العبادة وأداؤها على نحو ما شرعها الله تعالى واتباع ملة إبراهيم بعبادة الله تعالى وحده والكفر بما سواه من سائر الآلهة. وقوله (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) فيه زيادة تقرير فضل الإسلام الذي هو دين إبراهيم الذي اتخذه ربه خليلا وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) زيادة على أنه إخبار بسعة ملك الله تعالى وسعة علمه وقدرته وفضله فإنه رفع لما قد يتوهم من خلة إبراهيم أن الله تعالى مفتقر إلى إبراهيم أو له حاجة إليه ، فأخبر تعالى أن له ما في السموات والأرض خلقا وملكا وإبراهيم في جملة ذلك فكيف يفتقر إليه أو يحتاج إلى مثله وهو رب كل شىء وملكه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ ما عند الله لا ينال بالتمنى ولكن بالإيمان والعمل الصالح أو التقوى والصبر والإحسان.
٢ ـ الجزاء أثر طبيعي للعمل وهو معنى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ، ومن يعمل من
__________________
(١) الاستفهام انكاري أي : ينكر أن يوجد من هو أحسن دينا منه.
(٢) أفادت هذه الآية حكما عظيما ، وهو أنه لا يصح عمل بدونه أبدا ، وهو الإخلاص والمتابعة ، وهو أن يكون العمل خالصا لله ، وأن يكون صوابا ، أي وفق ما شرع الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم.