(الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) : الإثم : سائر الذنوب ، والعدوان : الظلم وتجاوز الحدود.
(شَدِيدُ الْعِقابِ) : أي عقابه شديد لا يطاق ولا يحتمل.
معنى الآيتين :
ينادى الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بعنوان الإيمان فيقول يا أيها الذين آمنوا أي يا من آمنتم بي وبرسولي ووعدي ووعيدى أوفوا بالعقود (١) فلا تحلوها وبالعهود فلا تنكثوها ، فلا تتركوا واجبا ولا ترتكبوا منهيا ، ولا تحرموا حلالا ولا تحلو حراما أحللت لكم بهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم الا ما يتلى عليكم وهي الآتية في آية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ (٢) ...) فلا تحرموها وحرمت عليكم الصيد وأنتم (٣) حرم فلا تحلوه. وسلموا الأمر لي فلا تنازعوا فيما أحل وأحرم فإني أحكم ما أريد. هذا ما تضمنته الآية الأولى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (٤).
أما الآية الثانية فقد تضمنت أحكاما بعضها نسخ العمل به وبعضها محكم يعمل به الى يوم الدين فمن المحكم والواجب العمل به تحريم شعائر الله وهي أعلام دينه من سائر ما فرض وأوجب ، ونهى وحرم. فلا تستحل بترك واجب ، ولا بفعل محرم ، ومن ذلك مناسك الحج والعمرة. ومن المنسوخ الشهر الحرام فإن القتال كان محرما في الأشهر الحرم ثم نسخ بقول الله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية ، ومن المنسوخ أيضا هدي المشركين وقلائدهم والمشركون أنفسهم فلا يسمح لهم بدخول الحرم ولا يقبل منهم هدى ، ولا يجيرهم من القتل تقليد أنفسهم بلحاء شجر الحرم ولو تقلدوا شجر الحرم كله. هذا معنى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ، وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ (٥) وَلَا الْقَلائِدَ (٦) وَلَا آمِّينَ
__________________
(١) قال الحسن : يعني عقود الدين ، وهي ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ، ومزارعة ومصالحة ، وتمليك وتخيير ، وعتق وتدبير ، وكذلك ما عاهد عليه الله تعالى من نذر وسائر التكاليف الشرعية وما خرج من عقد على شريعة الله رد وحل ولا وفاء فيه.
(٢) وما حرّم بالسنة وهو كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور لثبوت ذلك في الصحاح.
(٣) أمّا إذا حلّوا من إحرامهم فالصيد حلال كما هو في غير الإحرام إلّا ما كان من صيد الحرم فإنّه حرام في الإحرام والإحلال.
(٤) هذه الجملة تقتضي تسليم الأمر لله فلا اعتراض عليه فيما يحل ويحرّم وهو كذلك.
(٥) الهدي : ما يهدى إلى الحرم ومن خصائصه أنه يشعر وذلك يجرح سنامه من الجهة اليمنى حتى يسيل الدم ، وبذلك يعلم أنه هدي ، وقال بالإشعار كافة الفقهاء إلّا أبا حنفية ولاموه وعنّفوا عليه لتركه السنة الصحيحة في الإشعار.
(٦) يحرم بيع الهدي إذا أشعر وقلد لأنّه أصبح كالوقف لله تعالى ، ومعنى التقليد أن يوضع في عنقه قلادة يعلم بها أنه هدي وهذا يكون في الغنم لأنها لا تشعر.