وليلة ، ولمّا سار حسّان نحو جديس قال له رياح بن مرّة : أيّها الملك إن لي أختا مزوّجة في جديس واسمها الزرقاء ، وانّها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة ، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستّروا بها لتشبّهوا على اليمامة. وساروا بالليل فقال الملك : وفي الليل أيضا؟ فقال : نعم! ان بصرها بالليل أنفذ! فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك ، فلمّا دنوا من اليمامة ليلا نظرت الزرقاء وقالت : يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حمير. فكذّبوها فأنشأت تقول :
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم |
|
فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر |
إني أرى شجرا من خلفها بشر |
|
لأمر اجتمع الأقوام والشّجر |
فلمّا دهمهم حسّان قال لها : ماذا رأيت؟ قالت : الشجر خلفها بشر! فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جوّ ، وكانت المدينة قبل هذا تسمّى جوّا ، فسمّاها تبّع اليمامة وقال :
وسمّيت جوّا باليمامة بعد ما |
|
تركت عيونا باليمامة همّلا |
نزعت بها عيني فتاة بصيرة |
|
رعاما ولم أحفل بذلك محفلا |
تركت جديسا كالحصيد مطرّحا |
|
وسقت نساء القوم سوقا معجّلا |
أدنت جديسا دين طسم بفعلها |
|
ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا |
وقلت خذيها يا جديس بأختها! |
|
وأنت لعمري كنت في الظّلم أوّلا! |
فلا تدع جوّا ما بقيت بإسمها |
|
ولكنّها تدعى اليمامة مقبلا |
وينسب إليها مسيلمة الكذّاب الذي يقال له رحمن اليمامة ، ادّعى النبوة في عهد رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فطلبوا منه المعجزة فأخرج قارورة ضيّقة الرأس فيها بيضة ، فآمن به بعضهم ، وهم بنو حنيفة أقلّ الناس عقلا ،