الغريّان
بناءان كالصومعتين كانا بأرض مصر ، بناهما بعض الفراعنة وأمر كلّ من يمرّ بهما أن يصلّي لهما ، ومن لم يصلّ قتل. إلّا أنّه تقضى له حاجتان إلّا النجاة والملك ، ويعطى ما تمنّى في الحال ثمّ يقتل! فأتى على ذلك برهة ، فأقبل قصّار من افريقية معه حمار له وكدين ، فمرّ بهما ولم يصلّ فأخذه الحرس وجرّوه إلى الملك فقال له الملك : ما منعك أن تصلّي؟ فقال : أيّها الملك اني رجل غريب من افريقية ، أحببت أن أكون في ظلّك وأصيب في كنفك خيرا ، ولو عرفت لصلّيت لهما ألف ركعة! فقال له : تمنّ كلّ ما شئت غير النجاة من القتل والملك! فأقبل القصّار وأدبر وتضرّع وخضع فما أفاده شيئا ، فلمّا أيس من الخلاص قال : أريد عشرة آلاف دينار وبريدا أمينا! فأحضر ، فقال للبريد : أريد أن تحمل هذا إلى افريقية وتسأل عن بيت فلان القصّار وتسلّمه إلى أهله! قال له : تمنّ الثانية! قال : اضرب كلّ واحد منكم بهذا الكدين ثلاث ضربات ، إحداها شديدة والثانية وسطا والثالثة دون ذلك! فمكث الملك طويلا ثمّ قال لجلسائه : ما ترون؟ قالوا : نرى أن لا تقطع سنّة آبائك! قالوا : بمن تبدأ؟ قال : بالملك! فنزل الملك عن السرير ورفع القصّار الكدين وضرب به قفاه ، فأكبّه على وجهه وغشي على الملك ثمّ رجع نفسه إليه وقال :ليت شعري أي الضربات هذه؟ والله إن كانت هيّنة وجاءت الوسطى لأموتنّ دون الشديدة! ثمّ نظر إلى الحرس وقال : يا أولاد الزنا كيف تزعمون انّه لم يصلّ واني رأيته صلّى؟ خلّوا سبيله واهدموا الغريّين.
وبنى مثلهما المنذر بن امرىء القيس بن ماء السماء بالكوفة ، وسيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.