غير ما رأيت ، انزل الفيوم من كلّ كورة من كور مصر أهل بيت ، وأمر كلّ أهل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية ، وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر ، فإذا فرغوا من البناء صيّر لكلّ قرية من الماء قدر ما يصير لها من الأرض ، لا زائدا ولا ناقصا. صيّر لكلّ قرية شربا في زمان لا ينالهم الماء إلّا فيه ، وصيّر مطأطئا للمرتفع ومرتفعا للمطأطىء بأوقات من الساعات في الليل والنهار ، وصيّر لها قدرا معلوما فلا يأخذ أحد دون حقّه ولا زائدا عليه ، فقال له فرعون : هذا من ملكوت السماء؟ فقال : نعم. فلمّا فرغ منها تعلّم الناس وزن الأرض والماء واتّخاذ موازينها. وحدث يومئذ هندسة استخراج المياه ، والله الموفق.
القادسيّة
بليدة بقرب الكوفة على سابلة الحجّاج. سمّيت بقادس هراة وهو دهقانها ، بعثه كسرى أبرويز إلى ذلك الموضع لدفع العرب ؛ قال هشام عن أبيه : ان ثمانية آلاف من ترك الخزر ضيّقوا على كسرى بلاده من كثرة النهب والفساد.
فبعث دهقان هراة إلى كسرى : إن كفيتك أمر هؤلاء تعطيني ما احتكم؟ قال :نعم. فبعث الدهقان إلى أهل القرى يقول : إني سأنزل عليكم الترك فافعلوا بهم ما آمركم! وبعث إلى الترك وقال : تشتون في أرضي العام. فنزلوا عنده. بعث إلى كلّ قرية طائفة وقال : ليذبح كلّ رجل منكم نزيله في الليلة الفلانية ويأتني بسبلته! فذبحوهم عن آخرهم وذهبوا إليه بسبلاتهم ، فنظمها في خيوط وبعث بها إلى كسرى ، فبعث إليه كسرى شكر سعيه وقال : اقدم إليّ واحتكم! فقدم إليه وقال : أريد أن تجعل لي سريرا مثل سريرك وتاجا مثل تاجك ، وتنادمني من غدوة إلى الليل. فاستدلّ كسرى باحتكامه على ركاكة عقله ، ففعل ذلك ثمّ قال : لا ترى هراة أبدا ، فيجلس ويتحدث بما جرى وأنزله هذا الموضع ، فبنى هذه البلدة وسكنها.