ضعف زكاؤها. ووصف بعض الحكماء مصر فقال : إنّها ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء ، وثلاثة أشهر مسكة سوداء ، وثلاثة أشهر زمردة خضراء ، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء. قال كشاجم :
أما ترى مصر كيف قد جمعت |
|
بها صنوف الرّياحين في مجلس |
السّوسن الغضّ والبنفسج وال |
|
ورد وصفّ البهار والنّرجس |
كأنّها الأرض ألبست حللا |
|
من فاخر العبقري والسّندس |
كأنّها الجنّة التي جمعت |
|
ما تشتهيه العيون والأنفس |
ومن عجائبها زيادة النيل عند انتقاص جميع المياه في آخر الصيف ، حتى يمتلىء منه جميع أرض مصر ، فإذا زاد اثني عشر ذراعا ينادي المنادي كلّ يوم :زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا.
وفي وسط النيل مسجد بناه المأمون لمّا ذهب إلى مصر ، وخلف المسجد صهريج ، وفي وسط الصهريج عمود من الرخام الأبيض طوله أربعة وعشرون ذراعا ، وكتب على كلّ ذراع علامة ، وقسم كلّ ذراع أربعا وعشرين إصبعا ، وكلّ إصبع ستّة أقسام. وللصهريج منفذ إلى النيل يدخل إليه الماء ، فأي مقدار زاد في النيل عرف من العمود ، وعلى العمود قوم أمناء يشاهدون ذلك ويخبرون عن الزيادة ، فإذا بلغ ستة عشر ذراعا وجب الخراج على أهل مصر ، فإذا زاد على ذلك يزيد في الخصب والخير إلى عشرين ، فإن زاد على ذلك يكون سببا للخراب. واليوم الذي بلغ الماء فيه ستّة عشر ذراعا يكون يوم الزينة ، يخرج الناس بالزينة العظيمة لكسر الخلجان فتصير أرض مصر كلّها بحرا واحدا. والماء يخرج الفئران والثعابين من جحرتها ، فتدخل على الناس في القرى ويأكلها الكلاب والزيغان ، ويبقى ماء النيل على وجه الأرض أربعين يوما ثمّ يأخذ في الانتقاص.
وكلّما ظهر شيء من الأرض يزرعها الاكرة وتمشي عليها الأغنام لغيب البذر في الطين ، ويرمون بذرا قليلا فيأتي بريع كثير لأن الله تعالى جعل فيه البركة.