ولمّا وصل المأمون إلى مصر ، نقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل ، فوجد في داخله مراقي ومهادي هائلة يعسر السلوك فيها ، ووجد في أعلاه بيتا مكعبا طول كلّ ضلع منه ثمانية أذرع ، وفي وسطه حوضا رخاما مطبقا ، فلمّا كشف غطاؤه لم يوجد فيه غير رمّة بالية ، فأمر المأمون بالكفّ عن نقب ما سواه. وقال بعضهم : ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلّا رأيته دون صفته إلّا الهرمين ، فإني لمّا رأيتهما كانت رؤيتهما أعظم من صفتهما.
ومن عجائب مصر حوض لعين ماء منقور في حجر عظيم ، يسيل الماء إلى الحوض من تلك العين من جبل بجنب كنيسة ، فإذا مسّ ذلك الماء جنب أو حائض انقطع الماء السائل من ساعته ، وينتن الماء الذي في الحوض فيعرف الناس سببه ، فينزفون الماء الذي في الحوض وينظفونه ، فيعود إليه الماء على حالته الأولى.
وقد ذكر أمر هذا الحوض أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية ، وان هذا الحوض يسمّى الطاهر.
وبها جبل المقطّم ، وهو جبل مشرف على القرافة ممتدّ إلى بلاد الحبشة على شاطىء النيل الشرقي ، وعليه مساجد وصوامع ، لا نبت فيه ولا ماء غير عين صغيرة تنزّ في دير للنصارى ، يقولون انّه معدن الزبرجد ، وسأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر ابن الخطّاب ، فكتب إليه : ان استخبره لأيّ شيء بذل ما بذل؟ فقال المقوقس :إنّنا نجد في كتبنا انّه غراس الجنّة! فقال عمر : غراس الجنّة لا نجد إلّا للمؤمنين.
فأمره أن يتّخذه مقبرة ؛ قالوا : ان الميت هناك لا يبلى! وبها موتى كثيرون بحالهم ما بلي منهم شيء ، وبها قبر روبيل بن يعقوب وقبر إليسع ، عليه السلام.
وبها قبر عمران بن الحصين صاحب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم.
ومن عجائبها عين الناطول ، وناطول اسم موضع بمصر فيه غار ، وفي الغار عين ينبع الماء منها ويتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين فأرا ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : حكى لي رجل أنّه رأى من ذلك الطين قطعة انقلب بعضها فأرا