فقالوا : ان زروعنا تيبس بسبب زرع الشيخ لأن الماء يقصر عن زروعنا بسبب زرعه! فلمّا سمع الشيخ ذلك فارق تلك القرية وتحوّل بأهله إلى قزوين في سنة أربع عشرة وستّمائة. فلمّا خرج الشيخ منها كانت كبيّت نزع عماده وانهارت قبابها ، وانقطع الماء الذي كانوا يبخلون به على الشيخ ، فأخرج دهاقينها أموالا كثيرة لعمارة القناة فما أفادهم شيئا. وإلى الآن هي خراب.
أصفهان
مدينة عظيمة من أعلى المدن ومشاهيرها ، جامعة لأشتات الأوصاف الحميدة من طيب التربة وصحة الهواء وعذوبة الماء ، وصفاء الجوّ وصحّة الأبدان ، وحسن صورة أهلها وحذقهم في العلوم والصناعات حتى قالوا : كلّ شيء استقصى صنّاع أصفهان في تحسينها عجز عنها صناع جميع البلدان ؛ قال الشاعر :
لست آسى من أصفهان على شي |
|
ء سوى مائها الرّحيق الزّلال |
ونسيم الصّبا ومنخرق الرّي |
|
ح وجوّ صاف على كلّ حال |
يبقى التّفّاح بها غضّا سنة ، والحنطة لا تتسوّس بها ، واللحم لا يتغيّر أيّاما. والمدينة القديمة تسمّى جي ؛ قالوا : إنّها من بناء الإسكندر. والمدينة العظمى تسمّى اليهوديّة ، وذاك أن بختنصّر أخذ أسارى بيت المقدس أهل الحرف والصناعات ، فلمّا وصلوا إلى موضع أصفهان وجدوا ماءها وهواءها وتربتها شبيهة ببيت المقدس ، فاختاروها للوطن وأقاموا بها وعمروها. وهي مدينة ترابها كحل وحشيشها زعفران وونيم ذبابها عسل.
من عجائبها أمر تفّاحها فإنّها ما دامت في أصفهان لا يكون لها كثير رائحة ، فإذا أخرجت منها فاحت رائحتها حتى لو كانت تفّاحة في قفل لا يبقى في القفل أحد إلّا يحسّ برائحتها. وبها نوع من الكمثرى يقال له ملجي ليس في شيء من البلاد مثله. وإذا وصلوا شجرة الكمثرى بشجرة الخلاف تأتي بثمر لذيذ جدّا.