لحفظتها بدون ذلك ، وهذا مع حفظي وظائف الصبيان في المكتب. فلمّا بلغت عشر سنين كانوا في بخارى يتعجّبون مني ، ثمّ شرعت في الفقه ، فلمّا بلغت اثنتي عشرة سنة صرت أفتي في بخارى على مذهب أبي حنيفة ، ثمّ شرعت في علم الطبّ وصنّفت القانون وأنا ابن ستّ عشرة سنة ، فمرض نوح بن نصر الساماني فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعوني أيضا معهم ، فرأوا معالجتي خيرا من معالجات كلّهم ، فصلح على يديّ ، فسألت أن يوصي لخازن كتبه أن يعيرني كلّ كتاب طلبت ففعل ، فرأيت في خزانته كتب الحكمة من تصانيف أبي نصر بن طرخان الفارابي ، فاشتغلت بتحصيل الحكمة ليلا ونهارا حتى حصلتها. فلمّا انتهى عمري إلى أربع وعشرين كنت أفكّر في نفسي أنّه لا شيء من العلوم لا أعرفه.
إلى ههنا نقل الجوزجاني عن الشيخ الرئيس. وحكى غيره أن دولة السامانية لمّا انقرضت صارت مملكة ما وراء النهر لبني سبكتكين ، فلمّا ولّي السلطان محمود سعى الحسّاد إلى السلطان في حقّ أبي عليّ ، فهرب من بخارى إلى خراسان واجتمع بصاحب نسا فإنّه كان ملكا حكيما ، فأكرمه فعرّف أعداؤه السلطان انّه عند صاحب نسا ؛ فقال لوزيره : اكتب إلى صاحب نسا ان ابعث إلينا رأس أبي عليّ! فكتب إلى صاحب نسا : ان كان أبو عليّ عندك فابعده سريعا! وكتب بعد يوم على يد قاصد آخر ان ابعث إلينا رأس أبي عليّ. فلمّا وصل القاصد الأوّل أبعده ، فلمّا وصل الثاني قال : إنّه كان عندنا فمشى منذ مدّة!
فعزم أبو عليّ طبرستان خدمة شمس المعالي قابوس بن وشمكير ، وكان ملكا فاضلا حكيما ، فلمّا ورد طبرستان كان قابوس محبوسا في قلعة ، فأتى أرض الجبال مملكة آل بويه خائفا ، فورد همذان وقصد فصّادا يفصد الناس.
فطلب يوما لفصد امرأة فلمّا رآها قال : الفصد لا يصلح لها ، وأبى. فطلبوا غيره فلمّا فصدها غشي عليها فقالوا لأبي عليّ : كنت أنت مصيبا فدبّر أمرها.
فوصف شيئا من المقويات فصلحت ، فتعجّبوا من ذكائه وقالوا : إنّه طبيب جيد.
ومرضت امرأة من بنات الملوك وعجز الأطباء عن علاجها ، فرآها أبو عليّ